الغدر ليس من أخلاق المسلمين



ـ(( الغدر ليس من أخلاق المسلمين ))ـ
الحمد لله رب العالمين وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد.
لقد كثر الغدر وزادت الخيانة، سواء كان الغدر فرديا أو جماعيا، بالمسلمين أو بغير المسلمين. وخصوصا الغدر الذي يترتب عليه سفك الدماء، وإزهاق الأرواح. بقصف هنا وهناك، أو بتفجير هنا وهناك، أو برصاص البنادق يمينا وشمالا، أو بإشعال نار في الأحياء وهم نائمون غافلون هنا وهناك.
ولعل كثيرا منكم سمع أو قرأ هذا الخبر الذي يقطع الأفئدة وهو من الغدر والخيانة، وخلاصته أن عائلتين في سوهاج كان بينهما عداوة ثأرية وتم بينهما الصلح، ثم غدرت إحداهما بالأخرى وقتلوا منهم سبعة أفراد غدرا بعد أن أعطوهم الأمان، فما أعظمه من غدر وما أقبحها من خيانة.
وهذا الغدر وتلكم الخيانة ليست من أخلاق المسلمين، ولا من تعاليم الدين، بل الإسلام منها براء. وهو من كبائر الذنوب، ومن عظائم الخطوب عند علام الغيوب.
وإبراء للذمة ونصيحة للأمة أحذر نفسي والمسلمين من الغدر. تجنبا له ولعاقبته في الدنيا والآخرة، وتبرئة لساحة الإسلام منه بسبب غدر من ينتسبون إليه، أسطر هذه الكلمات راجيا عفو رب البريات عن الهفوات والزلات، داعيا خالق الأرض والسماوات أن يجنب الأمة ويلات الغدر والخيانات. فأقول مستعينا بالله قاضي الحاجات ومفرج الكربات :
** أولا : آيات من القرآن الكريم تنهى وتتوعد على الغدر والخيانة :
1- قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً} [النساء:107].
قال الطبري رحمه الله: "يقول: إن الله لا يحب من كان من صفته خيانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرمه الله عليه"[1].
وقال القرطبي: "روي أنها نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل من أمكنه من الكفار ويغتال ويغدر ويحتال، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {كَفُورٍ}، فوعد فيها سبحانه بالمدافعة، ونهى أفصحَ نهي عن الخيانة والغدر. وقد مضى في الأنفال التشديد في الغدر، وأنه ينصب للغادر لواء عند استه بقدر غدرته يقال: هذه غدرة فلان"[2].
2- وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34].
قال ابن كثير رحمه الله: "قوله: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} أي: الذي تعاهدون عليه الناس، والعقود التي تعاملونهم بها؛ فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه، {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} أي: عنه"[3].
3- وقال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِين} [يوسف:52].
قال القرطبي رحمه الله: "معناه أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم"[4].
وقال ابن سعدي رحمه الله: "فإنّ كلّ خائن لا بدّ أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بدّ أن يتبين أمره"[5].
4 - (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [سورة اﻷنفال 58]
**ثانيا : أحاديث في النهي عن الغدر والخيانة :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة))[6].
قال المناوي رحمه الله: "((فإنها بئست البِطانة)) بالكسر، أي: بئس الشيء الذي يستبطنه من أمره ويجعله بطانة. قال في المغرب: بطانة الرجل أهله وخاصته مستعار من بطانة الثوب. وقال القاضي: البطانة أصلها في الثوب فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره ويجعله بطانة حاله. والخيانة تكون في المال والنفس والعداد والكيل والوزن والزرع، وغير ذلك"[7].
2- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))[8].
قال النووي رحمه الله: "الصحيح المختار أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلّق بأخلاقهم؛ فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار"[9].
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره))[10].
قال ابن تيمية رحمه الله: "فذمّ الغادر، وكل من شرط شرطا ثم نقضه فقد غدر"[11].
4- وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا...))[12].
قال النووي رحمه الله: "وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها، وهي: تحريم الغدر، وتحريم الغلول..."[13].
5- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكلّ غادر لواء, فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان))[14].
6- وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلّ غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة))[15].
قال النووي رحمه الله: " معنى: ((لكل غادر لواء)) أي: علامة يشهَر بها في الناس؛ لأن موضوع اللواء الشهرة. وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر، لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأنّ غدره يتعدّى ضرره إلى خلق كثيرين. وقيل: لأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء"[16].
وقال ابن حجر رحمه الله: "أي: علامة غدرته، والمراد بذلك شهرته وأن يفتضح بذلك على رؤوس الأشهاد، وفيه تعظيم الغدر سواء كان من قبل الآمر أو المأمور"[17].
7- وعن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: ((ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل))[18].
قال النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)) معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته"[19].
وقال ابن حجر رحمه الله: " قوله: ((ذمّة المسلمين واحدة)) أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرّض له... وقوله: ((يسعى بها)) أي: يتولاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أن ذمّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمّن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحرّ والعبد؛ لأن المسلمين كنفس واحدة... وقوله: ((فمن أخفر)) بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمّنته، وأخفرته نقضت عهده"[20].
قال ابن تيمية رحمه الله: "جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، و النهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك"[21].
8- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك))[22].
قال المناوي: "أي: لا تعامله بمعاملته, ولا تقابل خيانته بخيانتك فتكون مثله, وليس منها ما يأخذه من مال من جحده حقّه إذ لا تعدّي فيه, أو المراد إذا خانك صاحبك فلا تقابله بجزاء خيانته وإن كان حسنا, بل قابله بالأحسن الذي هو العفو, وادفع بالتي هي أحسن .......[ 23 ]
** ثالثا : من صور الغدر والخيانة :
1 - خيانة العقيدة : وهي من أعظم الخيانات. سواء كانت بعدم اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم الإيمان به، أو بتحريف العقيدة الصحيحة وتبديلها كما فعل الجهمية والمعتزلة والاشاعرة والماتريدية.
2 - موالاة أعداء الإسلام. سواء كانوا يهودا أو نصارى أو مجوسا ( روافض )
3 - خيانة الشريعة الإسلامية : وذلك بتنحيتها وعدم تطبيقها في حياة المسلمين وحكمهم بالقوانين الوضعية الطاغوتية.
4 - خيانة الأعراض : بانتهاكها بالاغتصاب أو بالخيانة الزوجية.
5 - إسناد الأمر إلى غير أهله. في الوظائف والمسؤوليات
6 - استغلال أرباب المناصب لممتلكات الدولة لحسابهم الخاص، وترويج المحرمات والممنوعات.
7 - خيانة الإنسان بجوارحه وفعل المحرمات بها كالنظر إلى الحرام واستماع الحرام وقول الحرام.
8 - خيانة العالم لعلمه وكتمه مجاملة للناس ومحاباة لهم على حساب دينه
9 - خيانة الودائع والغدر بأصحابها وتضييع الحقوق.
10 - الغدر بغير المسلمين ممن لهم العهد بتفجير كنائسهم أو قتلهم.
11 - الغدر برجال الأمن والجيش والتفجير فيهم أو الهجوم على كمائنهم ورميهم بالرصاص على حين غرة وغفلة منهم.
==============================
------------المراجع--------------------
[1] جامع البيان في تأويل القرآن (5/270).
[2] الجامع لأحكام القرآن (12/67).
[3] تفسير القرآن العظيم (3/40).
[4] الجامع لأحكام القرآن (9/209).
[5] تيسير الكريم الرحمن (ص400).
[6] أخرجه أبو داود في الصلاة، باب: في الاستعاذة (1547)، والنسائي في الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الجوع (5468)، وابن ماجه في الأطعمة، باب: الاستعاذة من الجوع (3354)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1368).
[7] فيض القدير (2/124).
[8] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: علامة النفاق (34)، ومسلم في الإيمان (58)، بنحوه.
[9] شرح صحيح مسلم (2/47).
[10] أخرجه البخاري في البيوع، باب: إثم من باع حر (2227).
[11] مجموع الفتاوى (29/145).
[12] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1731).
[13] شرح صحيح مسلم (12/37).
[14] أخرجه البخاري في الأدب، باب: ما يدعى الناس بآبائهم (6177)، ومسلم في الجهاد والسير (1735) واللفظ له.
[15] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1738).
[16] شرح صحيح مسلم (12/43-44) بتصرف يسير.
[17] فتح الباري (13/71).
[18] أخرجه البخاري في الحج، باب: حرم المدينة (1870) واللفظ له، ومسلم في الحج (1370).
[19] شرح صحيح مسلم (9/144-145).
[20] فتح الباري (4/86).
[21] مجموع الفتاوى (29/145-146).
[22] أخرجه أبو داود في البيوع (3535)، والترمذي في البيوع (1264)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (423).
[23] فيض القدير (1/223).
=========
كتبه فضيلة الشيخ أبي إسلام / حازم بن علي خطاب
.............غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ................
الخميس 23 رجب 1438 هجرية - 20 أبريل 2017 م
ـ[ http://hazemkttab.blogspot.com.eg/ ]ـ
==================================
-----------------------روابط ذات صلة -------------------
ـ[حُـرْمةُ دَمِ المُسْـــــلِم ]ــ[ http://cutt.us/c91eq ]ـ
-------------------------------------------------
( الإيمان قيد الفتك... لا يفتك مؤمن )ـ[ http://cutt.us/Apm8q ]ـ
---------------------------------------------
( حمل السلاح في الفتن الواقعة بين العائلات والعصبيات )
ـ((http://cutt.us/4vZW ))ـ
--------------------------------------------------------
ـ(( حادث تفجير الكنيستين بين الافراط والتفريط ))ـ
صوتي ـ[ http://cutt.us/aHiLV ]ـ
فيديو ـ[ http://cutt.us/QCo6n ]ـ
=====----------روابط ذات صله بالموضوع-----------========
ـ(بيان حول حادث تفجير كنيستي الإسكندرية وطنطا بتاريخ 9/4/2017 )ـ
ـ[ http://cutt.us/cbcqK ]ـ
=========================
نصارى مصر ...اذكروا نعمة الله عليكم ـ[ http://cutt.us/VTUqG
--------------------------------------
ضوابط التعايش السلمي مع غير المسلمين ـ[ http://cutt.us/V1wAg ]ـ
--------------------------------------
الدماء المعصومة بين نظر العلماء الربانيين وبين فهم التكفيريين ..
ـ[ http://cutt.us/pgrF ]ـ
=================================
===============================
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق