الدماء المعصومة بين نظر العلماء الربانيين وبين فهم التكفيريين




ـ(( الدماء المعصومة بين نظر العلماء الربانيين وبين فهم التكفيريين ))ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله النبي الأمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حرم دماء الآدميين إلا بحقها. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله حذرنا من سفك الدم الحرام .
وبعد.
لا يخفى على الناس جميعا ما حدث - ولا يزال يحدث - من انتشار القتل وسفك الدماء في السنوات الأخيرة بالآلاف بل بالملايين. بسبب ثورات ومظاهرات تارة وبسبب ثارات تارة وبسبب مشاجرات تارة وبسبب عرقيات تارة وبسبب تحقيق أغراض ومكاسب دنيوية تارة وبفهم مغلوط لآيات القرآن تارة . إلى آخر هذه الأسباب. وصدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما أخبر أنه لن تقوم الساعة حتى يكثر القتل. وليس هذا هو المحزن فقدر الله الكوني لن يتخلف وما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن يقع كما أخبر.
لكن المحزن حقا أن يحدث قتل الأبرياء ويسفك الدم الحرام باسم الإسلام. ويفسد هؤلاء في الأرض وهم - زعما منهم - يتقربون إلى الله بهذا الإفساد.
وآخر ذلك ما حدث على أرض مصر - حرسها الله من كل سوء ومن كل مكر - من تفجير كنيستين إحداهما في الإسكندرية والأخرى في طنطا وقتل في هذا الحادث الكثير ومنهم مسلمون . وأعلن تنظيم داعش التكفيري الخارجي - صنيعة أمريكا والغرب - مسؤوليته عن ارتكاب ذلك الحدث. وهذا يترتب عليه من الشر للإسلام والمسلمين - في المقام الأول - أضعاف أضعاف ما يتضرر به غير المسلمين كما سأبين ذلك إن شاء الله.
** أولا : تحريم القتل وسفك الدماء بصفة عامة.
- قال تعالى : " (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)[سورة الفرقان 68]
- قال تعالى : " (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) [سورة اﻹسراء 33]
- قال تعالى : " (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [سورة المائدة 32]
- قال تعالى : " (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)
[سورة النساء 93]
- روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء "
- وفيهما أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة "
- وفيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما "
- وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله "
والأحاديث في ذلك لا تحصى. إذن سفك الدم الحرام من أكبر الجرائم بعد الشرك بالله .
** ثانيا : أنواع الدماء المعصومة :
[ ١ ] دم المسلم. إلا ما استثناه الشرع كما مر بنا في الحديث : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث. ..... فالمسلم دمه معصوم ولا يجوز قتله وسفك دمه إلا بواحدة من الثلاث اذا زنى وهو محصن أي سبق له الزواج، وإذا قتل نفسا مسلمة متعمدا فالقصاص وهو لولي الأمر ليس بالثأر. وإذا ارتد عن دينه وفارق جماعة المسلمين ويدخل في ذلك قتل الخوارج. أما ما يفعله الخوارج والتكفيريين من قتل وتفجير في المسلمين من أفراد الجيش والشرطة فهذا قتل بغير حق ودماء محرمة معصومة.
[ ٢ ] دم الكافر المعاهد :
والكفار المعاهدون هم من كان بينهم وبين المسلمين عهد أو صلح. كما عقد النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين صلح الحديبية، وكان بينه وبين اليهود في المدينة عهد. فلا يجوز الاعتداء على الكافر المعاهد ودمه معصوم. إلا إذا نقض العهد كما حدث من يهود بني قريظة حيث نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم بتحالفهم مع كفار قريش ضد المسلمين. أما المسلم فلا يعتدي على المعاهد وإذا رأى حاكم المسلمين نقض العهد فله ذلك لكن يعلم المعاهدين معه بنبذ عهدهم كما قال تعالى : " (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [سورة اﻷنفال 58] فإذا خشي من خيانتهم فيخبرهم أنه لا عهد بينه وبينهم.
وهؤلاء يدخلون في قوله تعالى : " وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ " [سورة النحل 91]
وفي قوله تعالى ِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ " [سورة المائدة 1]
- روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما "
[ ٣ ] دم الكافر الذمي :
وأهل الذمة هم الكفار الذين لهم عقد الذمة مع المسلمين. يعيشون في بلاد المسلمين ويظلون على دينهم خاضعين لحكم الإسلام في نظير دفع الجزية. وهذا ينطبق على نصارى مصر - وإن لم يدفعوا الجزية الآن - وإن قلنا بقول من يقول أنهم الآن ليسوا بأهل ذمة لأنهم لا يدفعون الجزية، فيشملهم قوله تعالى : " (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[سورة الممتحنة 8- 9 ] وفي الحديث الصحيح : " إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما " وهي أرض مصر. والذين لهم ذمة هم الأقباط لأن مارية القبطية سرية الرسول صلى الله عليه وسلم منهم.
[ ٤ ] دم الكافر المستأمن :
وهو الكافر الذي دخل بلاد المسلمين بعقد أمان - وإن كان في الأصل من قوم حربيين - فإذا دخل الدولة المسلمة بجواز سفر وتأشيرة لأي غرض. توصيل رسالة أو عمل أوغير ذلك فلا يعتدى عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم : " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ " لما أجارت مشركا. وعلى هذا فالكفار الذين دخلوا بلاد المسلمين فهم في أمان حتى يرجعوا إلى بلادهم. أما الذين يقتلون الأجانب من السياح والعاملين فمتوعدون بالوعيد الذي مر في الحديث السابق بأنهم لم يريحوا رائحة الجنة.
** ثالثا : من المتضرر ومن المستفيد من تفجير الكنائس؟ !!!
الضرر الذي يترتب على ذلك يشمل المسلمين والنصارى على حد سواء لكن ضرر المسلمين أكبر وضرر النصارى أقل فقد يموت منهم أفراد وتتهدم أجزاء من كنائسهم. لكن الضرر الذي يلحق المسلمين أكثر فقد يساء إلى الإسلام نفسه بأنه دين تطرف وإرهاب وسفك دماء واعتداء على الآخرين بغير حق. وهذا كذب على الإسلام وهو بريء من هذه الأعمال - كما سبقت الإشارة إلى ذلك - وقد يقتل المسلمون الذين يعيشون في بلاد النصارى ويضيق عليهم وهذا واقع. وقد تتذرع بعض دول الكفر للتدخل في شؤون الدولة المسلمة التي تعرض فيها النصارى لهذه الاعتداءات بل قد تهاجمها وتشن عليها حربا لا قبل لدفعها بحجة اضطهاد رعاياها وحمايتهم.
وأيضا فإن النصارى يستفيدون الأموال الطائلة - من أموال المسلمين - لتجديد كنائسهم وبناء كنائس جديدة وتعويض القتلى بمبالغ كبيرة وكله من خزانة الدولة المسلمة بالإضافة للأموال الخارجية. إذن فماذا جنينا من وراء تفجير كنائسهم إلا الشر. ؟!!!!
** رابعا : لا تنازل عن ثوابت الدين لمجاملة هؤلاء النصارى :
من المؤسف - حقا - أنك تجد من يتخلى عن مبادئ دينه ويجاملهم على حساب دينه حتى يدافع عن الإسلام ويبرئه من هذه الأفعال فيترحم على القتلى من النصارى ويصفهم بأنهم شهداء ويقول : أخواننا النصارى ليسوا كفارا وغير ذلك وهذا تمييع، وتنازل عن ثوابت الدين وردة عن الدين. لأن عدم تكفير النصارى تكذيب للقرآن الذي حكم بكفرهم في قوله تعالى : " (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
[سورة المائدة 17]
ولقوله تعالى : " (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
[سورة المائدة 73]
** خامسا : نصيحة لأهل مصر ( مسلمين ونصارى ) :
فأقول لإخواني للمسلمين : افهموا دينكم فهما صحيحا نابعا من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ومن سار على دربهم من علمائنا المعاصرين : ابن باز وابن عثيمين والألباني والغديان - رحمهم الله - والفوزان واللحيدان والراجحي وغيرهم حفظهم الله وفتاواهم تملأ الأفق بتحريم الاغتيالات والتفجيرات والعمليات الانتحارية - التي يسمونها استشهادية - ليس بفهم الخوارج التكفيريين، أمثال القرضاوي ومحمد عبد المقصود وفوزي السعيد ووجدي غنيم وأمثالهم من رؤوس التكفير، ولا بفهم الصوفية والمبتدعة المميعين. عاش غير المسلمين مع المسلمين طوال تاريخهم فسيروا سيرة سلفكم الصالح ولا تعتدوا بغير حق على غير المسلمين.
وأقول للنصارى - في مصر خصوصا وخارجها عموما - اذكروا نعمة ربكم عليكم وادخلوا في دين الله الإسلام وآمنوا بنبي الإسلام تنالوا أجرين عند الله الإيمان بنبيكم - عيسى عليه السلام - والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم . فإن أبيتم إلا الكفر والبقاء على دينكم. فسيروا سيرة سلفكم من النصارى الذين عاشوا على أرض مصر مع المسلمين الأوائل أدوا الجزية كما كانوا يدفعونها فإن أبيتم - لتبدل الحال - فاحمدوا الله أنكم في جوار المسلمين ولا تتطاولوا عليهم ولا تتبجحوا بشعائر كفركم ولا تمسوا ثوابت الإسلام بسوء كي تعيشوا آمنين على دمائكم واموالكم وأعراضكم في ظل الإسلام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
= = = = = = = = = = = = = =
وكتبه فضيلة الشيخ أبي إسلام حازم بن علي خطاب
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الخميس ١٦ رجب ١٤٣٨هجرية - ١٣ أبريل ٢٠١٧م
ـ[ http://hazemkttab.blogspot.com.eg/ ]ـ
= = = = = = = = = = = = = = = = =
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق