يضيع العلم بين الكبر والحياء ـ مكتوب





( يضيع العلم بين الكبر والحياء )

الحمد لله رب العالمين وكفى، 
والصلاة والسلام على نبينا المصطفى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد.
قل العلم وكثر الجهل ، وذلك لإعراض أكثر الناس عن العلم ، وذلك في الغالب لزهدهم في العلم أو لإيثارهم الدنيا وانشغالهم بها وعدم تفرغهم - منها - لطلب العلم. لكن هناك أصناف من الناس يمنعهم من طلب العلم ويحجبهم عنه إما الكبر والتعالي عن طلبه والسؤال عنه. وذلك راجع - في نظري لأمرين : 
- الأول : أن يكون أكبر في السن ممن يتعلم منه أو أعلى منه مكانة وعائلة ومنزلة 
- أن يكون أكثر شهرة عند الناس ممن عنده العلم فتأخذه العزة بالإثم ويأنف أن يأخذ منه العلم. 
وإما الحياء ، فيستحيي أن يسأل عما يجهله من أمر دينه. فضاع العلم عند كثير من الناس - كما يقال - بين الكبر والحياء.
لذا أحببت أن أبين منزلة العلم والعلماء ، وفضيلة الحياء إلا في طلب العلم ، وأحذر من خطورة التكبر عموما وعن طلب العلم خصوصا، ومن الجهل وعاقبته، ثم أختم بصور مما وصلنا إليه من الجهل بأحكام الشرع.
** أولا : منزلة العلم والعلماء : 
- قال تعالى : " (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [سورة العنكبوت 43]
- وقال تعالى : " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [سورة فاطر 28]
- وقال تعالى : " (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [سورة المجادلة 11]
- وقال تعالى : " (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [سورة الزمر 9]
** في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الناس وإنما يقبض العلم بقبض العلماء. حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا "
** وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " 
** روى الحاكم وغيره وصححه الألباني عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن فضل العلم خير من فضل العبادة وخير دينكم الورع " وليس معنى الحديث أن الإنسان يترك مافرضه الله عليه من العبادة انشغالا بطلب العلم. وإنما طلب العلم الشرعي خير من عبادة التطوع من النوافل المختلفة. 
** روى ابن ماجه وصححه الألباني عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سلوا الله علما نافعا وتعوذوا بالله من علم لا ينفع "
** ثانيا : منزلة الحياء لاتمنع من طلب العلم : 
- قال تعالى : " (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
[سورة القصص 25]
- وقال تعالى : " (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا)
[سورة اﻷحزاب 53]
** في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ماشئت " 
** في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الإيمان بضع وستون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " 
** وفيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها "
وإذا كان الحياء بهذه المنزلة فلا يمنع صاحبه من طلب العلم والسؤال عما لا يعلم. 
** ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : " رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين " 
** وفي الصحيح أيضا عن علي رضي الله عنه قال : كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت رجلا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اغسل ذكرك أو مذاكيرك وتوضأ وضوءك للصلاة " فعلي رضي الله عنه استحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه لأنه زوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يمنعه الحياء أن يسأل.
** ثالثا : خطورة الكبر عامة وعن طلب العلم خاصة : 
- الكبر من صفات إبليس. قال تعالى عنه : " (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [سورة البقرة 34]
- وهو من صفات الكافرين. قال تعالى : " (إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)
[سورة النحل 22]
- وقال تعالى عن أهل النار : " (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [سورة الزمر 72]
** في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله - عزوجل - : " العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في جهنم " 
** وفيه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " 
فإذا كان الإنسان المتكبر متوعدا بالنار لمجرد تعاظمه في نفسه. وليس في الإنسان ما يحمله على الكبر والغرور. فهو مخلوق من طين ومن ماء مهين. وكل مايسوغ له - في نظره - الكبر فهو من عطاء الله وفضله عليه إن كان مالا أو جمالا أو منصبا أو عائلة. ..... فكيف بمن يتكبر بعلمه؟ !!! وأسوأ منه حالا الذي يتكبر عن طلب العلم.
** رابعا : الجهل أصل كل شر : 
لقد ذم الله الجهل والجاهلين في القرآن الكريم فقال تعالى : " 
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)
[سورة اﻷعراف 199]
وقال : " (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)
[سورة الزمر 64 ]
وقال : " (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
[سورة اﻷنعام 35]
** في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل ويرفع العلم ويكثر الهرج والهرج القتل " 
** روى أبو داود وصححه الألباني عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " القضاة ثلاثة : قاض علم الحق فحكم به فهو في الجنة. وقال علم الحق فحكم بغيره فهو في النار. وقاض جهل الحق فقضى بجهل فهو في النار " 
فإذا كان الجهل بهذه الخطورة، وصاحبه على خطر عظيم فكيف لا يأخذ بأسباب دفع الجهل عن نفسه ويتعلم ويطلب العلم على قدر وسعه وطاقته؟ !!!!
** من صور الجهل في حياة الناس : 
[ ١ ] الجهل بأحكام العبادات أو بعضها أو بعض المسائل التي تتعلق بها. من مسائل في الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج. 
[ ٢ ] الجهل بأحكام المعاملات في البيوع والعقود 
[ ٣ ] الجهل بأحكام المواريث. فإن لم يتعلمها يسأل عن مسائلها إذا عرضت له. 
[ ٤ ] الجهل بأمور العقيدة والتوحيد والوقوع في بعض المظاهر الشركية. 
[ ٥ ] الجهل بالسياسة الشرعية ومعاملة الحكام وفق هذه السياسة. وما الخراب والشر الذي حدث في بلاد المسلمين من مظاهرات وثورات إلا بسبب الجهل بالسياسة الشرعية. 
[ ٦ ] الجهل بمعاملة غير المسلمين وفق الضوابط الشرعية. 
[ ٧ ] الجهل بأحكام الجهاد وضوابطه الشرعية. وهذا أوقع الأمة في بلاء من أعدائها بسبب هؤلاء الجهلة من الدواعش والتكفيريين ونحوهم فأفسدوا بلاد الإسلام بدعوى الجهاد في سبيل الله. فاحتلت دول ودمرت أخرى. وغير ذلك من مظاهر الجهل المطبق الذي أصاب الأمة في مقتل.
لكن الأمل معقود في أهل العلم. والحمد لله لا يخلو منهم زمان ولا مكان. وإن قلوا في مكان عن الآخر. فالخيرية لن تنقطع ولا تزال طائفة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. نسأل الله تعالى أن ييسر لنا سبل العلم. 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
والحمدلله رب العالمين .
- - - - - - - - - - - - - - - -
كتبه // فضيلة الشيخ أبي إسلام حازم بن علي خطاب 
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين 
الخميس صـ20ــفرهــــ1439 // نـ9ــوفمبرمــ2017ـــ
ـ[ http://hazemkttab.blogspot.com.eg/ 
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق