غلاء الأسعار لا يبيح السخرية والاحتقاار

ـ( غلاء الأسعار لا يبيح السخرية والاحتقاار)ـ

الحمد لله رب العالمين وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، ورسوله المجتبي. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وبعد
تعيش مصر هذه الأيام حالة من القلق وعدم الاستقرار، بسبب غلاء الأسعار. مما حدا ببعض - بل بالكثير - الناس أن يكثروا اللعن والاستهزاء والسخرية بالحاكم تارة وبحكومته تارة وببعضهم البعض تارة.
بل هناك من أهل الشر والفساد، والأهواء والعناد من يؤجج الفتنة من جديد
ويحرض على الخروج والثورات من قريب أو بعيد . وما جر لنا البلاء والغلاء إلا هذه الثورات - مع أسباب أخرى - وينطبق على حالنا قول ربنا جل وعلا : " (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
[سورة النحل 112] فالناس كانوا في رغد من العيش، والأسعار رخيصة فلم يعجبهم ماهم فيه بحجة ظلم الحاكم فكفروا بأنعم الله فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.
وأيضا فنحن - بأعمالنا - سبب في هذا الغلاء. ألم يقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : " وما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ؟!! " فأكثر التجار غشاشون وينقصون الكيل والميزان فهم سبب في هذا الغلاء.
فأقول لإخواني المسلمين - بل لكل المصريين - لا تنشغلوا بسب الحكام والسخرية منهم واحتقارهم. فذلك كبيرة من الكبائر. ولا يغفر هذا الذنب إلا بالتوبة منه. فلماذا تعرض نفسك لذلك. بل ننشغل بإصلاح أنفسنا. وعلاج أسباب هذا الغلاء.
أما السخرية والاستهزاء والاحتقار فورد ذمها في القرآن العظيم وفي سنة النبي الأمين. وهاكم جملة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في ذلك :
** قال تعالى : " (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [سورة يس 30]
** وقال تعالى : " (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [سورة الحجر 95]
** وقال تعالى : " (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
[سورة الحجرات 11]
** وقال تعالى : "ِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ " [سورة الهمزة 1] والهمزة واللمزة هو الذي يسخر من الناس بأقواله وأفعاله.
** وقال تعالى : " (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ۘ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [سورة البقرة 212]
** وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام : " (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) [سورة هود 38]
- روى البخاري في صحيحه عن المعرور قال : لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك فقال : إني ساببت رجلا فعيرته بأمه فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية. إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس. ...." والشاهد من الحديث أن أبا ذر رضي الله عنه لما عير الرجل بأمه وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه فيه جاهلية مما يدل على أن التعيير مذموم.
- روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا. ...المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. ... بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم "
- وروى مسلم في صحيحه أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال : إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس " أي احتقار الناس.
- وروى أبو داود والترمذي وصححه الألباني عن جابر بن سليم قال : قلت : يارسول الله اعهد إلي. قال : لا تسبن أحدا. قال : فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة. قال : لا تحقرن شيئا من المعروف وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك. .... وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليه "
- وروى الإمام أحمد في المسند وأبو داود في سننه وصححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من اربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق "
- وروى الإمام أحمد أيضا بسند شواهده صحيحة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب وتلين لهم الجلود ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب وتقشعر منهم الجلود. فقال رجل : أنقاتلهم يا رسول الله؟ قال : لا ما أقاموا الصلاة " وهذا فيه أبلغ رد على هؤلاء الذين يصبون جام غضبهم على الحكام. فهؤلاء حكام وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف ولما سئل عن قتالهم نهى عن ذلك طالما أنهم يصلون أو تقام فينا الصلاة. والأحاديث في ذلك كثيرة.
** أخيرا بعض مفاسد وأضرار السخرية والاحتقار :
[ ١ ] توجب سخط الله والملائكة بل والناس أجمعين.
[ ٢ ] تورث العداوة والبغضاء بين الناس خصوصا بين الساخر والمسخور منه.
[ ٣ ] فيها إهانة لمن كرمه الله وهو الإنسان. وتكون أشد إذا كانت من السلطان للحديث الصحيح : " من أهان سلطان الله في أرضه أهانه الله يوم القيامة "
[ ٤ ] أنها كبيرة من الكبائر.
[ ٥ ] أنها من أمور الجاهلية كما مر في حديث أبي ذر رضي الله عنه.
[ ٦ ] الساخر يعرض نفسه للسخرية. وكما تدين تدان.
[ ٧ ] هذا يدل على أنه إنسان متكبر لما مر في الحديث " الكبر بطر الحق - أي رد الحق - وغمط الناس أي احتقارهم.
[ ٨ ] أن ذلك سبيل لتفكك المجتمع وضعفه.
[ ٩ ] أن ذلك انتهاك لحقوق الآخرين.
[ ١٠ ] الساخر يفقد هيبته ووقاره واحترام الآخرين له.
[ ١١ ] الندم الشديد يوم القيامة.
فيا أيها المسلمون احتفظوا بحسناتكم لأنفسكم يوم القيامة واحذروا أن تكونوا من المفلسين الذين تؤخذ حسناتهم منهم بسبب شتم هذا و ....
واصبروا فإن هذا من قدر الله علينا. ونحن أمرنا أن نؤمن بالقدر خيره وشره. وأن نرضى بما قضاه الله. أما الظلم فلا يعالج بذلك ونصيحة أولي الأمر لها أهلها. وكل من استطاع نصحه فلينصح لكن نصيحته لا تكون على الملأ ولا بالتشهير والقدح في وسائل الإعلام والتواصل إنما تكون سرا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر. والموت قريب. فاشغل نفسك بما ينفعك بعد موتك.

نسأل الله تعالى أن يرفع عن مصر البلاء والغلاء وسائر بلاد المسلمين. وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين.
كتبه
حازم خطاب
الجمعة ٥ من شوال ١٤٣٨هجرية - ٣٠ يونيو ٢٠١٧م



-------------------------------------------
صوتي ـ[ http://cutt.us/TNrzK
مرئي ـ[ http://cutt.us/zSwPP ]ـ
= = = = = = = = = = = = = = = = = = =
فضيلة الشيخ أبي إسلام حازم بن علي خطاب
ـ[ http://hazemkttab.blogspot.com.eg/ ]ـ
= = = = = = = = = == = = = = = = ==
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق