اللهم خفف عنا سكرات الموت



ـ[ اللهم خفف عنا سكرات الموت ]ـ
الحمد لله رب العالمين وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، ورسوله المجتبي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وبعد 
الحقيقة التي يعلمها الجميع، ويوقنون بها، لكن الغفلة عنها وطول الأمل ينسي الإنسان الاستعداد لها والتفكر فيها إنها الموت.
- والموت من المصائب بل من أعظمها قال الله تعالى : " فأصابتكم مصيبة الموت. .." وقال تعالى : " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " وقال تعالى : " وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون "
- والموت له سكرات مؤلمة لا يعلمها إلا الله، ويعلمها من عاين الموت وحضره الأجل. قال تعالى : " وجاءت سكرة الموت بالحق. ذلك ما كنت منه تحيد " وقال سبحانه : " ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون " وقال عز من قائل : " ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق " وقال تعالى : " فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون...." وقال سبحانه وتعالى : " كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق. ..."
- وسكرة الموت عانى منها النبي صلى الله عليه وسلم. ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين يديه ركوة - أو علبة فيها ماء يشك عمر - فجعل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول لا إله إلا الله إن للموت سكرات، ثم نصب يده فجعل يقول في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى. .." وروى البخاري أيضا : أنه لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فجعلت فاطمة رضي الله عنها تقول : واكرب أبتاه فقال صلى الله عليه وسلم : " لا كرب على أبيك بعد اليوم "
- فإن قال قائل : ما الحكمة في تشديد الموت على النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر؟ !!!
فالجواب من وجهين :
الأول : رفعة درجته وتكميل فضله ولأن الأنبياء أشد الناس ابتلاء كما روى الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن والحاكم في المستدرك وصححه الألباني : " أشد الناس بلاء الأنبياء فالصالحون. ..."
الثاني : أن يعرف الخلق ألم الموت. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه تألم من سكرات الموت فكيف بنا نحن؟ !!!
- روى الإمام أحمد في المسند وأصحاب السنن الا الترمذي والحاكم في المستدرك وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة جاءه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم حنوط من حنوط الجنة وكفن من أكفان الجنة فيجلسون منه مد البصر فيأتيه ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول :أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج روحه كما تخرج القطرة تسيل من في السقاء فيأخذها ملك الموت ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين فيجعلونها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ويصعدون بها إلى السماء فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون روح فلان ابن فلان بأحسن الأسماء التي كان يدعى بها في الدنيا حتى يصلوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة فيقول الله -عزوجل - للملائكة اكتبوا كتاب عبدي في عليين ثم أعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى. قال : فتعاد روحه في جسده ثم يأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ومن نبيك؟ فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم. فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال :فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ثم يأتيه رجل حسن المنظر طيب الرائحة. فيقول له : أبشر بالذي يسرك فهذا يومك الذي كنت توعد .قيقول له :من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول : أنا عملك الصالح فيقول : رب ارجعني إلى أهلي. فيقول : نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب الناس إليه. فيقول : رب أقم الساعة رب أقم الساعة.
وإن العبد الكافر أوالمنافق اذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة جاءه ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ، ويجيء ملك الموت فيجلس عند رأسه ليأخذ روحه قال : فتفرق روحه في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ،فإذا قبضها لم يدعوها في يده طرفة عين، فيجعلونها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الارض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون : هذه روح فلان ابن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا. فإذا صعدوا إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فلا يفتح لهم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " قال : فيقول الله لملائكته اكتبوا كتاب عبدي في سجين ثم أعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال : فتطرح روحه طرحا وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق " فتعاد روحه إلى جسده ويأتيه ملكان فيقولان له : من ربك؟ فيقول : هاه هاه لا أدري. فيقولان : ما دينك؟ فيقول : هاه هاه لا أدري. فيقولان : من نبيك؟ فيقول : هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار قال : فيأتيه من حرها وسمومها، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول : من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ ! فيقول : أنا عملك الخبيث فيقول : رب لا تقم الساعة. رب لا تقم الساعة ......." الحديث وقد ذكرته بمعناه . والشاهد منه هو خروج روح المؤمن وأنها تخرج كما تخرج قطرة الماء من فم السقاء. وهذا على الغالب. وهذا لا ينافي ما ورد من شدة سكرة الموت على البعض لتكفير الخطايا ورفعة الدرجات. وشاهد أيضا على خروج روح الكافر وأنها تنزع نزعا شديدا.
** وقد ورد عن السلف الكلام عن سكرة الموت ومن ذلك :
- روى الحاكم وصححه : أن عمرو ابن العاص رضي الله عنه، لما نزل به الموت قال له ابنه عبد الله : صف لنا الموت. فقال : يابني الموت أجل من أن يوصف ولكن سأصف لك منه شيئا. أجدني كأن على عنقي جبال رضوى وأجدني كأن في جوفي شوك السلاء وأجدني كأن نفسي تخرج من إبرة "
- وروي أن عمربن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب الأحبار : حدثنا عن الموت. فقال كعب : نعم يا أمير المؤمنين هو كغصن الشوك أدخل في جوف رجل فأخذت كل شوكة بعرق، ثم جذبه رجل شديد فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى "
- قال شداد بن أوس رضي الله عنه : الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن وهو أشد من نشر بالمناشير وقرض بالمقاريض وغلى في القدور. ولو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بألم الموت ما انتفعوا بعيش ولا تلذذوا بنوم "
- دخل الحسن البصري - رحمه الله - على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت فنظر إلى كربه وشدة ما نزل به، فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم. فقالوا له : الطعام يرحمك الله. فقال : يا أهلاه عليكم بطعامكم وشرابكم فوالله لقد رأيت مصرعا لا أزال أعمل له حتى ألقاه "
** فإن قال قائل : ما الفارق بين الأتقياء والأشقياء والصالح والطالح والكل يعاني من سكرات الموت؟ !!!!
ونقول : لا يستويان. فالمؤمن سكرات الموت بالنسبة له منحة ونعمة ورحمة تخفيفا لسيئاته ورفعة لدرجاته أما الكافر والمنافق فسكرة الموت بالنسبة له محنة وعذاب ونقمة. وأيضا فإن الكافر يعاني من سكرات الموت أضعاف أضعاف ما يعانيه المؤمن كما مر في الحديث.
* سكرة الموت تخف عن الشهيد لما رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الشهيد لا يجد من ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة "
فاللهم خفف عنا سكرات الموت. وارزقنا قبل الموت توبة وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة ونعيما وملكا كبيرا. وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. والحمد لله رب العالمين.

= = = = = = = = = = = = = = = =

وكتبه فضيلة الشيخ // أبوإسلام حازم بن علي خطاب
........... غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ................
الخميس ٢٦/ ٥ / ١٤٣٨ هجرية - ٢٣/ ٢ /٢٠١٧م
...
ـ[ http://hazemkttab.blogspot.com.eg/ ]ـ
= = = = = = = = = = = = = = = = =
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق