بسم الله
الرحمن الرحيم
أيها المسلمون
لا تستهينوا بالديون
إن
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ان لا إله إلا
الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
"
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "
"
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما
رجالا ًكثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم
رقيبًا "
"
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا ًسديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفرلكم
ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا "
اللهم
صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ،
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك
حميد مجيد .
أما بعد
فإن
أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن شر
الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
ثم أما بعد
إن
قضية الديون في هذا الزمان أصبحت من المشاكل الخطيرة المعقدة للغاية ، وأصبح الناس
في حيرة شديدة من أمرهم ، ولقد استهان كثير من الناس بالديون استهانة أوشكت على
إهلاكهم ، وذلك لجهلهم بخطورة الدين وعاقبته ، لذا فإني أردت أن أدلي بدلوي في هذه
القضية التي باتت تهدد كل بيوت المسلمين
إلا من رحم الله ـ عز وجل ـ فهذه
موعظة أضعها بين يدي القاريء عسى الله أن ينفع بها كل من اطلع عليها وأوجز الحديث
عن هذا الموضوع من خلال الآتي :
أولاً: حكم الدين والدليل عليه من القرآن والسنة .
ثانيًا
: فضل القرض الحسن وتفريج الكرب .
ثالثًا
: ثواب من أنظر المعسر أو وضع عنه دينه .
رابعًا
: خطورة الدين على المدين .
خامسًا
: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه .
أولاً
: حكم الدين والأدلة عليه من القرآن والسنة .
لقد
أباح الله سبحانه وتعالى الدين للضرورة فقد يتعرض الإنسان لضائقة مالية لا يستطيع
التخلص منها إلا إذا استدان المال ليفك به ضائقته وقد دلت الأدلة على إباحة الدين
. قال تعالى : " يا أيها الذين
آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجلٍ مسمى فاكتبوه ...." الآية [ البقرة 282
]
وقال
سبحانه وتعالى : " ولكم نصف ماترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن
ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم
يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين
...." الآية [ النساء 12]
**
روى مسلم وأحمد وأصحاب السنن عن أبي رافع ـ رضي الله عنه ـ قال : استلف رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من رجل بكرًا ،فجاءته إبل الصدقة ، فأمرني أن أقضي
الرجل بكرًا ، فقلت : لم أجد في الإبل إلا جملاً خيارًا رباعيًا ، فقال : أعطه
إياه ، فإن خيركم أحسنكم قضاءً " .
**
روى البخاري ومسلم عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : كان لي على رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ حق فقضاني وزادني " . وصح أن النبي ـ صلى الله عليه
وسلم طلب من يهودي سلف الشعير ، فقال اليهودي : إنما يريد محمد أن يذهب بمالي فقال
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : كذب إني لأمين في الأرض أمين في السماء ولو
ائتمنني لأديت اذهبوا إليه بدرعي ... " . وثبت أن الصحابة ـ رضي الله
عنهم ـ كان يداين بعضهم بعضًا .
ثانيًا
: فضل القرض الحسن وتفريج الكرب
**
قال تعالى : " وأقرضوا الله قرضًا حسنًا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه
عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا ...." [ المزمل 20 ]
**
قال تعالى : " إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضًا حسنًا يضاعف لهم
ولهم أجر كريم " [ الحديد 18 ]
**
قال تعالى : " إن تقرضوا الله قرضًا حسنًا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله
شكور حليم " [ التغابن 17 ]
**روى
مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم قال : " من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة
من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ،
ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في
عون أخيه " .
**
روى ابن ماجه وابن حبان وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ أن رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم قال : " ما من مسلم يقرض مسلمًا مرتين إلا كان كصدقة مرة
"
**
روى الطبراني وغيره وصححه الألباني أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
كل قرض صدقة "
**
روى بعض أصحاب السنن بسند حسن أن رسول الله ـصلى الله عليه وسلم قال : " أحب
الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله ـعز وجل ـ سرور تدخله
على مسلم ، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا ..."
ثالثًا
: ثواب من أنظر معسرًا أو وضع عنه دينه .
**
قال تعالى : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " [ البقرة 280 ]
**روى
مسلم وغيره أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال : " من أنظر معسرًا أو وضع
عنه أظله الله في ظله "
**
روى أحمد والحاكم وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم
قال : " من أنظر معسرًا ، فله بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين ، فإذا
حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثلاه صدقة "
**روى
البخاري ومسلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " كان رجل يداين
الناس ، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه : تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا ،
فتجاوز الله عنه "
**
وفي صحيح مسلم قال ـ صلى الله عليه وسلم : " أتي الله بعبد من عباده آتاه
الله مالا فقال له : ماذا عملت فيه ؟ قال
: ولا يكتمون الله حديثًا ، قال : يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس ، وكان من
خلقي الجواز ، فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر ، فقال الله : أنا أحق بذا منك
تجاوزوا عن عبدي "
رابعًا
خطورة الدين على المدين .
نظرًا
لأن الإسلام حريص على عدم ضياع الحقوق فقد رهب المدين وتوعده بالعقوبة حتى لا يأكل
أموال الناس .
**
روى مسلم أن رجلا ً قال : يا رسول الله
أرأيت إن جاهدت بنفسي ومالي فقتلت صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر أدخل الجنة ؟
قال : نعم فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا ، قال : إلا إن مت وعليك دين وليس عندك وفاء،
وأخبرهم بتشديد أنزل في ذلك ، فسألوه عنه فقال : الدين والذي نفسي بيده لو أن
رجلاً قتل في سبيل الله ثم عاش ، ثم قتل
في سبيل الله ثم عاش ، ثم قتل في سبيل الله ما دخل الجنة حتى يقضى دينه "
**
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ كان لا يصلي على رجل مات وعليه دين ، فأتي بميت ، فقال : أعليه دين قالوا :
نعم ديناران . فقال : صلوا على صاحبكم ، فقال أبو قتادة : ـ رضي الله عنه ـ هما
عليَّ يارسول الله ، قال : فصلى عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما فتح
الله على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " أنا بكل مؤمن من نفسه ،
فمن ترك دينًا فعليَّ قضاؤه ومن ترك مالاً فلورثته "
**
روى الإمام أحمد أن رجلا ً سأل رسول الله ـ صلى الله عليه ـ وسلم عن أخيه مات
وعليه دين فقال : هو محبوس بدينه فاقض عنه ، فقال : يارسول قد أديت عنه إلا
دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة ، فقال : أعطها فإنها محقة "
واعلموا أن تأخير سداد الدين لمن كان مستطيعًا ومعه ما يسد به دينه فهو
ظالم . والله لا يحب الظلم
**
روى البخاري ومسلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " قال الله
ـ عز وجل : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا لا تظالموا ...."
**وروى
مسلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " اتقوا الظلم فإن الظلم
ظلمات يوم القيامة ..... "
**
وروى أبو داود أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " مطل الغني ظلم
"
خامسًا
: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه .
**
روى البخاري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " من أخذ أموال
الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " .
أدى الله عنه في الدنيا وفي الآخرة . أما في الدنيا يفتح الله عليه من الرزق ما
يؤدي به دينه . ذكر ابن حجر حديثًا رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن ميمونة ـ
رضي الله عنها ـ " ما من مسلم يدان دينًا يعلم الله أنه يريد أداءه إلا
أداه الله عنه في الدنيا "
أما في الآخرة ، فإن الله يتكفل عنه لصاحب
الدين ، فلا يؤخذ من حسناته لصاحب الدين .
**
خاتمة :
أخي المسلم يا من لك دين على أخيك المسلم ها أنت قد علمت ثواب القرض الحسن ، إذن
هذه نعمة من الله عليك أن وجدت من تقرضه ، وعلمت أيضًا ثواب إنظار المعسر أو وضع
الدين عنه ، فاصبر حتى يوسع الله على أخيك المسلم ويسد لك دينك، وإن استطعت أن
تترك شيئًا من الدين له فلك عظيم الأجر .
وأنت يا أخي المسلم ، يا من عليك الدين ها
أنت قرأت التهديد والترهيب في الدين فاحذر على نفسك ، وإياك من المماطلة في سداد
الدين إن كنت موسرًا . هذا وأسأل الله ـ عز وجل ـ بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن
يغني المسلمين من فضله ، وأن يسدد الدين عن المدينين . وصلى الله وسلم على محمد وآله والحمد لله رب
العالمين .
وكتبه
الفقير إلى عفو ربه
أبو إسلام
حازم بن علي
خطاب
عفا الله
عنه وعن أهله والمسلمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق