دروس
وعـبـر
من فيلم
الإساءة لسيد البشر
كتبه
حازم بن علي خطاب
غفر الله له ولوالديه
وللمسلمين
] بسم الله الرحمن الرحيم {
إن الحمد لله
نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من
شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
] يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ
تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ[ [آل عمران:102].
] يَآ أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا
اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيْباً[[النساء:1]
] يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ
قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًً[
[ الأحزاب:70،71].
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي
محمد – e - وإن شر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
من قدر الله الكوني أن يتعرض خير البشر ـ
الرسل والأنبياء ـ للاستهزاء والسخرية من
الناس ، وهذا ما حدث لنبينا محمد ـ e ـ منذ أيام حيث قام بعض أقباط مصر ـ النصارى ـ بعمل فيلم عرض على
شاشات التلفاز ، فيه إساءة بالغة لأفضل الأنبياء والرسل وخاتمهم ، وصدق ربنا ـ جل
وعلا ـ حينما قال : " ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما
كانوا به يستهزئون " (الأنبياء41 )
وهذا الأمر أثار غضب الملايين من المسلمين ،
تعبيرًا منهم لمحبتهم لنبيهم ـ e ـ وحق لهم أن يغضبوا ، وإن كان قد ترتب على غضبهم وحماستهم ما لا
يرضاه الله ورسوله ، كما سيأتي بيانه في صلب هذه الرسالة .
ومشاركة لإخواني المسلمين ، ونصرة لمقام
النبوة ، وذبًا عن رسول رب العالمين ، وتبكيتًا للكافرين والمنافقين والمرتدين
أعداء الدين ، أكتب هذه الكلمات راجيًا من الحق سبحانه وتعالى أن تكون خالصة لوجهه
، وأن تكون في ميزان حسناتي يوم القيامة ، وأن تكون سببًا في هداية الخلق إلى الحق
، وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن ينتقم من هؤلاء الكافرين في الدنيا قبل الآخرة ، وأن
يجعلهم عبرة وآية لمن يعتبر .
وهذا الموضوع أتناوله من الجوانب الآتية :
أولاً : ذكر النبي ـ e
ـ في التوراة والإنجيل
ثانيًا : فضائل النبي عليه
الصلاة والسلام .
ثالثًا : إلى دعاة حرية
الفكر وحرية الرأي وحرية التعبير .
رابعًا : القتل والتفجير
والتخريب ليس هو الطريق لنصرة النبي e .
خامسًا : لا تحسبوه شرًا
لكم .
سادسًا : دروس وعبر من فيلم
الإساءة لسيد البشر .
هذا وما كان من توفيق وصواب فلله وحده المنة ،
وما كان من خطأ أو زلل فالله ورسوله منه براء ، وأستغفر الله منه ـ إن وجد ـ وصلى الله وسلم على خير خلقه ، والحمد لله رب
العالمين .
********
أولاً: ذكر النبي ـ e
ـ في التوراة والإنجيل
قبل أن أذكر ما ورد من عبارات تدل على ذكر
النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في التوراة والإنجيل لنرد على هؤلاء الكفرة الذين
تطاولوا على مقام النبي ـ e ـ أذكر بعضًا من الآيات القرآنية التي تشير إلى ذلك :
ـ قال الله ـ عز وجل ـ : " الذين
آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم
يعلمون " ( البقرة 146 ) فهذه الآية
تتحدث عن أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ وأنهم يعرفون النبي ـ e
ـ كما وصف لهم ، كمعرفتهم بأبنائهم .
ـ قال الله ـ عز وجل ـ : " الذين
يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم
بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم
والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل
معه أولئك هم المفلحون " ( الأعراف 157 )
ـ قال الله ـ عز وجل ـ : " يا أهل
الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير
قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين " ( المائدة 15 )
ـ قال الله عز وجل : " ويقول الذين كفروا
لست مرسلاً قل كفى بالله شهيدًا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " ( الرعد
43 )
ـ قال الله عز وجل : " وإذ قال عيسى ابن
مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًًًًًًًًًًًًا لما بين يديَّ من
التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر
مبين " ( الصف 6 )
وجاء في الكتب التي عند أهل الكتاب نصوص فيها
إشارة لذكر نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا أذكر بعضًا منها :
ـ " يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ،
ويقال له اقرأ هذا ، فيقول : لا أعرف الكتابة " ( سفر أشعياء 29/ 12 ) والنبي
الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب هو نبينا محمد e
ـ إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام : "
أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم ( وإخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل وهم العرب )
مثلك ، وأجعل كلامي في فمه فيتكلم بكل ما أوصيه به " ( سفر التثنية 18/ 18 )
ـ " إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم ،
ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو سيرشدكم إلى جميع
الحق ، لأنه لا يتكلم من نفسه ، بل كل ما يسمع يتكلم به ، ويخبركم بأمور آتية
" ( يوحنا 12/ 16 ) فمن غير محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ،
وإنما يتكلم بالوحي ؟! ومن غير النبي محمد ـ e ـ الذي جاء بعد عيسى ـ عليه السلام ـ وأخبر البشرية بكل ما هو
كائن إلى يوم القيامة ؟ !
ـ قال عيسى ـ عليه السلام ـ : "
الفارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب ، وإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة ، ولا يقول من
تلقاء نفسه ، ولكنه مما يسمع ، ويكلمكم ويسوسكم بالحق ، ويخبركم بالحوادث والغيوب
" ( يوحنا 25/ 16 ) والفارقليط لفظ يقصد به عندهم النبي فهذا النص صرح بأن
مجيء النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يكون بعد عيسى ـ عليه السلام ـ وأنه يخبر
بالحوادث والأمور الغيبية ، وهذا لا يكون إلا لنبينا e.
ـ وقال عيسى ـ عليه السلام : " إني سائل
له أن يبعث إليكم فارقليط آخر يكون معكم إلى الأبد ، وهو يعلمكم كل شيء " (
يوحنا 14 / 16 )
ـ ورد في كتاب هداية الحيارى لابن القيم ، فصل
: صفات النبي المذكورة في كتبهم : ـ عن ابن
عباس أنه سأل كعب الأحبار : كيف تجد نعت رسول الله في التوراة ؟ قال : نجده "
محمد عبد الله ، مولده بمكة ، ومهاجره إلى طابة ، ويكون ملكه بالشام ، ليس بفحاش
ولا صخاب بالأسواق ولا يكافئ السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح "
فنقول لهؤلاء الحاقدين على الإسلام ونبي
الإسلام ـ eـ هذه الكتب التي بين
أيديكم تشير إلى ذكر النبي ـ عليه السلام ـ فلماذا لا تؤمنون به ؟! ولماذا لا
تعملون بما علمتم من كتبكم المقدسة ـ عندكم ـ وتتبعون ما جاء فيها بخصوص النبي
الخاتم الذي بشرت به التوراة والإنجيل ؟!
ونقول لهؤلاء الداعرين الذين قاموا بعمل هذا
الفيلم القذر الذي لا يليق بأفجر رجل من البشر ، والله لو عرض هذا الفيلم على واحد
من الدعار ، وقيل له هذا الفيلم نعمله لك ، وتكون أنت المقصود بما مثل عنه فيه
لرفض ذلك واشمأز من أن يكون هذا الفيلم باسمه ولشخصه !! فكيف برجل صالح من الناس
؟! فكيف برسول من الرسل ؟! فكيف بأفضل الرسل وخاتمهم ؟!!
********
ثانيًا : فضائل النبي
ـ eـ ومعجزاته .
لقد وردت كثير من
الآيات القرآنية تبين فضائل النبي ـ eـ منها :
ـ قال تعالى : " وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين " ( الأنبياء 107 )
ـ وقال : " وإنك لعلى خلق عظيم " (
القلم 4 )
ـ وقال : " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا
وحي يوحى " ( النجم 2ـ3 )
ـ وقال : " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم
ولكن رسول الله وخاتم النبيين " ( الأحزاب 40 )
ولقد وردت كثير من الأحاديث تبين فضائل النبي ـe
ـ وهي كثيرة ـ أذكر منها :
- عن جابر بن عبد الله - t -: أن رسول الله - e- قال: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر،
وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي
الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى
الناس عامة " (1)
- عن أبي هريرة - t-:
أن رسول الله - e- قال: " فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت
بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة،
وختم بي النبيون " (2)
- عن أبي هريرة - t- قال: قال رسول الله - e-: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض،
وأول شافع وأول مشفع"(3)
ومن فضائله أنه أعطي المقام المحمود ، وأعطي الوسيلة ، التي قال عنها :
" إنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو
" ، وقال : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليّ ، ثم
سلوا الله لي الوسيلة ، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة "
ومن فضائله أنه أعطي نهر الكوثر ، وهو نهر في الجنة قال الله سبحانه في
شأنه : " إنا أعطيناك الكوثر " ووصفه ـ e ـ بأن ماءه أحلى من العسل ، وأبيض من اللبن ، وآنيته من الذهب ، ومنها
أنه أعطي الحوض .
ومن فضائله أنه خليل الرحمن فهو القائل كما في الصحيح : " إن الله قد
اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً " وأنه كليم الله ؛ لأن الله كلمه في
رحلة المعراج .
أما ورد في معجزات النبي - e
- وهي كثيرة منها :
* - انشقاق القمر :
- عن عبد الله بن مسعود - t
- قال: انشق القمر على عهد رسول الله - e- بشقين فقال النبي - e -: اشهدوا "(4)
- وعنه - t - قال: انشق القمر على عهد رسول الله - e - فقال القوم: هذا سحر سحركموه ابن أبي كبشة فسلوا السفّار حين
يقدمون عليكم، فإن كان مثل ما رأيتم فقد صدق وإلا فهو سحر سحركموه ابن أبي كبشة
فقدم السفار فسألوهم. قالوا: نعم قد رأيناه قد انشق القمر " (5)
* - حنين الجذع:
- عن ابن عمر - رضي الله عنهما -:
أن رسول الله - e- كان يخطب
إلى جذع،فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن
الجذع فأتى النبي e فمسحه " (6)
- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - e- كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر، فلما اتخذ تحول فحن الجذع
فاحتضنه فسكن فقال: لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة " (7)
وهناك روايات أخرى بألفاظ مختلفة .
* - جريان الماء من
بين أصابعه:
- عن عبد الله بن مسعود - t-
قال: كنا مع رسول الله - e في سفر فعز الماء، فقال اطلبوا فضلة من ماء، فأتي بها في إناء قليل فأدخل رسول الله - e
- يده في الإناء، ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله ، فلقد رأيت
الماء ينبع من أصابع رسول الله - e- حتى ارتوينا، وقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " (8)
- عن جابر t قال: أصابنا عطش فجهشنا إلى رسول الله e فدعا بتور فيه ماء فوضع كفه فقال: خذوا بسم الله " قال: كم
كنتم ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، وكنا ألفًا وخمسمائة " (9)
* - مشي عذق النخلة
ووقوفه بين يديه:
- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أتى النبي - e-
رجل من بني عامر قال: أرني هذا الخاتم الذي بين كتفيك، فإن يك طب داويتك فإني أطب
العرب. فقال النبي - e -: " إني أريك آية. قال: نعم. قال: ادع ذاك العذق. قال: فنظر
إلى عذق في نخلة، فدعاه فجاء ينقز حتى قام بين يديه. قال: قل له يرجع، فرجع إلى
مكانه .... " (10)
* حلبه اللبن من شاة
لم ينزُ عليها الفحل :
- عن عبد الله بن مسعود t قال: كنت غلامًا يافعًا في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها فأتى
عليّ رسول الله e وأبو بكر معه فقال:يا غلام،هل عندك من لبن؟ فقلت: نعم. ولكن
مؤتمن. فقال: ائتني بشاة لم ينز عليها الفحل. قال: فأتيته بعناق جذعة، فاعتقلها رسول
الله e قال: ثم جعل يمسح ضرعها ويدعو حتى حلبت"(11)
********
ثالثًا : إلى دعاة
حرية الرأي وحرية الفكر وحرية التعبير
أهل الباطل وأعداء الإسلام دائمًا وأبدًا
يمررون باطلهم ويسلكونه بكل وسيلة ، وكل أسلوب ماكر لكي يروج على السذج ، وعلى
ضعفاء العقول ، فمن قال قولاً خالف به الشرع ، أو اعتدى به على ثوابت الدين ، أو
لمز أحدًا من صحابة النبي ـe ـ قالوا : حرية الرأي ، وحرية التعبير ، وحرية الفكر ، ومن فعل
فعلاً قبيحًا فيه إساءة لنبي الإسلام ، أو لأحد من أئمة الدين ، قالوا حرية الفن
... وهكذا ، وما هذا إلا تحرر من القيم والأخلاق ، وقبل ذلك تحرر من الدين .
فهل من الحرية سب الأنبياء والرسل ،
والاستهزاء بهم ؟! هل من الحرية نشر الدعارة والفاحشة بين الناس ؟ فليبشر هؤلاء
بقول رب الأرض والسماء : " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا
لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة " ( النور 19 ) هل من الحرية نشر الكفر على
صفحات الجرائد والمجلات وعلى شاشات التلفاز ؟!
إن الحرية ـ حقًا ـ لا بد أن تكون مقيدة بما
لا يخالف الشرع ، أما أن تكون الحرية تحللاً من التكاليف الشرعية ، وتفسخًا من
القيم والأخلاق ، واعتداء على ثوابت الدين فهذه ليست حرية مشروعة .
وأقول لكل واحد من هؤلاء الذين ينادون بهذه
الحريات ، إذا تعرض أحد لشخصك بالإساءة فهل تقول حينئذ : هذه حرية ؟!! ، وإذا فضح
أحدهم زوجتك على الملأ ، أو هتك عرض ابنتك وشهر بها هل ستقول حينئذ : هذه حرية ؟!!
فإن قلت : لا أقبل ذلك ـ ولا بد لك من ذلك ـ وإلا كنت ديوثًا ، فلماذا ترضاه لغيرك
؟
فاتقوا الله يامن فتحت لكم أبواب الإعلام ،
وتتصدرون في وسائله ، فإنكم موقوفون عند ربكم ، وسائلكم عن إضلالكم للملايين التي
تسمعكم وتشاهدكم ، وستبوؤون بأوزاركم وأوزارهم كما قال تعالى : " ليحملوا
أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون
" ( النحل 25 )
********
رابعًا : كيف ننصر
نبينا e ؟
نصر النبي e
واجب على كل مسلم في هذا الوقت ، وفي كل وقت ، لكن كيف يكون نصرنا لنبينا بخصوص ما
حدث لشخصه ؟ يكون بأمور منها :
[1] نشر مناقبه
وفضائله ـ التي ذكرت شيئًا منها ـ بين الناس وتعريفهم بها ، خصوصًا أعداء الإسلام
من الكفار لأنهم لا يعرفون شيئًا عن نبي الإسلام ، وكم من إنسان من هؤلاء منَّ
الله عليه بالهداية لما عرف الدين الصافي ، ووصله الحق ، وتعامل مع أناس من
المسلمين الذين تخلقوا بأخلاق الإسلام ، والتي هي أخلاق النبيe.
[2] التمسك بسنته ،
وتعليمها للناس وهو الذي قال : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين
من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل
بدعة ضلالة " . وهو القائل : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجر
من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن دعا إلى ضلالة كان له من الوزر مثل
أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " .
[3] تقديم محبته على
محبة جميع الخلق ، بل من لم يفعل ذلك لم يكن مؤمنًا كامل الإيمان لقوله ـ e
ـ : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده
والناس أجمعين " . وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ للنبي e:
" يا رسول الله أنت أحب إليَّ من جميع الناس إلا من نفسي . قال : " لا
يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك ، قال عمر : يا رسول الله أنت الآن أحب إليَّ من
نفسي قال : الآن يا عمر " أي الآن استكملت الإيمان يا عمر .
[4] الاقتداء به
واتباعه في سلوكه وأخلاقه ومعاملاته ، وكل الناس يدعي محبة النبي ـe
ـ ففضحتهم هذه الآية : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر
لكم ذنوبكم والله غفور رحيم " ( آل عمران 31 )
[5] تعظيمه في القلوب
ورفع شأنه ومكانته . وقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في تعظيمهم لقدر النبي ـe
ـ من ذلك :
**
موقف عبد الله بن عبد الله بن أُبي بن سلول من أبيه :
لما
كان النبي ـ eـ في غزوة من الغزوات
، قال عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن
الأعز منها الأذل ـ يقصد بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله e فبلغت رسول الله مقالته فقال لابنه عبد الله : أما سمعت ما يقول
أبوك ؟ ! قال : وما يقول ؟ قال : يقول : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها
الأذل فقال عبد الله : صدق والله يا رسول الله فأنت الأعز وهو الأذل ثم قال : ما
علمت العرب أحدًا أبر بأبيه مني ، أما إذ قال ما قال ليرين ما أصنع ثم سل سيفه
ووقف على باب المدينة فلما جاء أبوه يريد أن يدخل المدينة رفع السيف في وجهه وقال
: أنت الذي تقول : لئن رجعنا إلى المدينة لخرجن الأعز منها الأذل ، والله لا يؤيك
ظلها ولا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله ، فصرخ أبوه وقال : ابني يمنعني من بيتي ، فذهبوا
إلى رسول الله وأخبروه ، فقال لهم : قولوا له : يقول لك رسول الله : خله ومسكنه ،
فقال عبد الله : أما إذ أذن لك رسول الله فنعم ولكن لتعلم من الأعز ومن الأذل
..... "
**
موقف المغيرة بن شعبة من عمه عروة بن مسعود الثقفي :
في
الوقت الذي منعت فيه قريش النبي ـe ـ والمسلمين من أداء العمرة ، وكان صلح الحديبية ، أرسلت عروة بن
مسعود الثقفي ليفاوض النبي e،فلما قدم عروة إلى رسول الله ـ eـ ووقف يكلمه وكان من
عادة العرب إذا كلم أحدهم الآخر أمسك بلحيته
فأراد عروة أن يمسك بلحية النبي ـ eـ وإذا بالمغيرة
يضربه بمؤخرة سيفه ويقول له : اكفف يدك
عن
لحية رسول أولا ترجع إليك ، فكرر ذلك مع رسول الله فإذا بالمغيرة يضربه بمؤخرة
سيفه ويقول له : اكفف يدك عن لحية رسول الله أو لا ترجع إليك فصاح عروة وقال : من
هذا الغلام ـ وكان المغيرة ملثمًا ـ فرفع اللثام عن وجهه فقال عمه عروة : المغيرة
بن أخي أي غدر .....
** موقف سعد بن معاذ من يهود بني قريظة :
في
غزوة الأحزاب لما اجتمعت القبائل لقتال المسلمين وللقضاء عليهم ـ في هذا الوقت
العصيب ـ نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله e، فلما انتهت الغزوة ، حاصر النبي e والمسلمون حصن بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة ، فقيل لهم : انزلوا
على حكم رسول الله ـ e، فقالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ ـ وكان سعد سيد الأوس وكان
بينهم وبين بني قريظة حلف ـ فظنوا أن سعدًا سيشفع فيهم ، فبعث النبيe
إلى سعد ، فلما جاء سعد إلى النبيe ، قال له : احكم فيهم ، قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل
مقاتلتهم وتسبي ذراريهم وتقسم أموالهم ، فقال رسول اللهe: لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وحكم رسوله ..."
وما استهان أعداء الإسلام بالنبي eإلا لما ضعف في قلوب
المسلمين تعظيمهم لقدر النبي e بل لما رأوا تطاول من ينتسبون للإسلام على
رسولهم أغراهم ذلك بالتجرؤ عليه .
********
خامسًا
: لا تحسبوه شرًا لكم .
هذا الذي حدث إنما حدث بقدر الله الكوني ، لأنه
ما من شيء يحدث في هذا الكون إلا بقدر الله ، فالله ـ عز وجل ـ قدره كونًا ، ولم
يقدره شرعًا ، بمعنى أنه ـ سبحانه ـ لا يحبه ولا يرضاه ، وهذا هو الفارق بين القدر
الكوني ، والقدر الشرعي ، وهذا ينطبق على كل شر وجد في هذا الكون ، أراده الله
وشاءه مشيئة كونية ، لكنه لا يرضاه .
وقدر الله ـ عز وجل ـ لا شر فيه ؛ لأنه يقدر
الشر لحكمة ولخير يراد منه ، والشر يكون في مقدوراته . وهذا الحدث المؤلم الذي وقع
على شخص النبي e يترتب عليه خير كثير ـ كما سنبينه في الدروس والعبر ـ وهذا كما
قال الله ـ عز وجل ـ عن حادث الإفك الذي تعرضت له عائشة ـ رضي الله عنها ـ واتهمت
به في عرضها ، وبرأها الله منه في القرآن العظيم : " إن الذين جاءوا بالإفك
عصبة منكم لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم " ( النور 11)
********
سادسًا
: القتل والتفجير والتخريب ليس هو الطريق لنصرة النبي الأمين
لما وصل الخبر ـ خبر فيلم الإساءة للنبي e
لكثير من المسلمين أثار غضبهم ، وحق لهم ذلك ، لكن بعضهم ترجم
هذا الغضب بأفعال تسيء إلى الإسلام ، فقد قام البعض بتفجير بعض السفارات الأمريكية
ـ لأن الفيلم وقعت أحداثه على أرضها ـ وقتل من فيها انتقامًا لرسول الله e
وهذا خطأ ، لأن ذلك لا يعالج الأمر بل يزيده تعقيدًا .
وهذه الأنفس معصومة الدماء والأعراض والأموال
، لأنهم مستأمنون وما دخلوا بلاد المسلمين إلا بعقد أمان ، وهم بمثابة رسل الملوك
قديمًا ، والرسل لا تقتل ، وانظروا لنتيجة ما حدث ـ مثلاً ـ في ليبيا لما فجرت
السفارة الأمريكية هناك ، ماذا كانت النتيجة ؟ أرسلت أمريكا على الفور جيشًا من
جنودها إلى ليبيا ، وهذا ينذر بالشر والخطر .
وإن تعجب من ذلك ، فالعجب ممن قام ـ على
الفضائيات ـ بتمزيق الإنجيل ـ وإن كان فيه تحريف وتبديل ـ ووطئه بالأقدام ردًا على
هذه الإساءة ، فماذا تكون النتيجة ؟ يشعل ذلك الغضب في نفوس هؤلاء الكافرين ، ومن
ثم قد ينتقمون من المسلمين الموجودين في بلادهم بالقتل والتنكيل والتعذيب ، وقد
يفعلون مثل ذلك بالقرآن الكريم ويمزقونه ويقومون بوطئه ـ وقد حدث ـ بالأقدام ، ثم
إن هذا الإنجيل أليس فيه ذكر لله ، وأسماء الله فكيف يفعل به ذلك ، وإنما نقول إنه
الجهل بدين الله .
وذلك لا يعني إعفاء هؤلاء المجرمين الذين قاموا
بالاشتراك في هذا الفيلم من العقوبة ، فهؤلاء لابد من عقوبتهم ، ويطبق فيهم حكم
الشرع ، فهم يحاربون الله ورسوله ، وينشرون الفساد في الأرض ، فأرى أنَّ على
الحكومات الإسلامية أن تطالب بإحضار هؤلاء ، وأن تعاقبهم بالعقوبة الواردة في قول
الله ـ عز وجل ـ : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك
لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم " ( المائدة 33)
********
سابعًا
: الدروس والعبر من هذه الإساءة .
[1]
سنة
الابتلاء : فهذا الحدث ما هو إلا امتداد للابتلاء
في سبيل الله ، وأعظم الناس بلاء هم الأنبياء ، ويبتلى المرء على قدر دينه وقد ورد
في الحديث الصحيح : " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل
فالأمثل ... "
[2]
عقوبة للمسلمين ، فما من مصيبة تحدث لنا إلا بذنوبنا كما قال تعالى : " وما
أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " ( الشورى 30 ) ، ولما
فرطنا في شرع الله ، وابتعدنا عن هدي رسول الله e كان هذا الحدث بمثابة عقوبة لنا حتى نفيق من غفلتنا ونعود لشرع
ربنا وسنة نبينا .
[3]
سنة الإمهال : فالله ـ عز وجل يمهل ولا يهمل ، وهو لا يعاجل بالعقوبة قال تعالى :
" ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب
" ( الرعد 32 ) ، لكنه ـ سبحانه ـ إذا أخذ الظالمين أخذهم أخذ عزيز مقتدر وقد
ورد في الحديث الصحيح : " إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته
"
[4]
محق الكافرين : لأن الله جعل سننًا لمحق هؤلاء الكافرين ، ومن هذه السنن ، تطاولهم
على الأنبياء والرسل ، ثم بعد ذلك يستحقون العذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة قال
تعالى : " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " ( آل عمران 141 )
[5]
تمحيص المؤمنين ، ليتبين المؤمن الصادق من المنافق ، كما مر في الآية السابقة ،
ولقد رأينا من العلمانيين والمرتدين ، الذين يزعمون أنهم مسلمون ، من يتبجح بحرية
الفكر( الكفر ) وحرية الرأي ، ويقول : لماذا الهجوم على هؤلاء ، إنها حرية ، فهل
هذا مسلم ؟!!
[6]
الكفر كله ملة واحدة : فهذا الأمر تواطأ عليه كل ملل الكفر في العالم ، وفرحوا به
وروجوه في بلادهم ، مما يؤكد أنهم اجتمعوا على العداء للإسلام ونبي الإسلام ، وصدق
ربي ـ جل وعلا ـ حينما قال : " ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً
" ( النساء 89 )
[7]
تجديد محبة النبيe في القلوب : فهذا الحدث
جدد المحبة في القلوب تجاه النبي e وزاد شعورهم بذلك لأنه أثار عاطفتهم له .
[8]
تأييد الدين بالرجل الفاجر : فإن الله ـ سبحانه ـ قد يؤيد دينه بالرجل الفاسق
الفاجر ، وقد ورد في الحديث : " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر
" وفي لفظ: " بأقوام لا خلاق لهم " فهؤلاء الكفرة الفجرة كانوا سببًا في يقظة
المسلمين ، ورجوعهم إلى دينهم .
[9]
إظهار حقد وبغض الكافرين كما قال تعالى : " قد بدت البغضاء من أفواههم وما
تخفي صدورهم أكبر " ( آل عمران 118 )
[10]
زيادة اللعن لهؤلاء بإيذائهم للنبي eكما قال تعالى :
" إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابًا
مهينًا " ( الأحزاب 57 )
[11]
دخول كثير من الكفار في الإسلام . فهذا الحدث لما هيج أحباب النبي e
وانتفض العالم كله جعل غير المسلمين الذين لا يعرفون عن الإسلام شيئًا ، ولا
يعرفون رسول الإسلام يبحثون عن حقيقة هذا الدين ، وعن الرسول الأمين ، ومن وصل
إليه الحق دخل في دين الله .
هذه جملة من الدروس والعبر من فيلم الإساءة
لسيد البشر ، وغيرها كثير ، هذا وأسأل الحق جل وعلا أن أكون قد وفقت لبيان الواجب
علينا تجاه نبينا e وأن تكون هذه الوقفة نصرًا لسيد الأنام ورسول السلام، وإيقاظًا
للمسلمين النيام ، ومخلصة لي من الكرب عند الوقوف بين يدي الملك العلام ، وصلى
الله وسلم وبارك على خير خلقه ، والحمد لله رب العالمين
وكتبه
حـازم بن
علي خطاب
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
مصر ـ سوهاج
(1) البخاري ( 335 ) مسلم ( 521 )
(2) مسلم ( 1/ 371 رقم 523 )
(3) مسلم ( 2278 )
(4) البخاري ( 3636 ) مسلم ( 2800 )
(5) البخاري ( 3869 )
(6) البخاري ( 3538 )
(7) ابن ماجه ( 1415 ) أحمد ( 1/ 349 ) وهو صحيح
(8)
البخاري ( 3579 )
(9) البخاري ( 3576، 4153 )
(10) أحمد ( 1/ 223 ) البيهقي في
الاعتقاد ( ص 42).
(11) أحمد ( 1/ 479 ) الطبراني ( 9/ 78 ) ابن حبان(
6504).
__________________________
رابط تحميل الملف بصيغة الوورد ( http://3rbup.com/13088ced4307d5a0 )
__________________________
رابط تحميل الملف بصيغة الوورد ( http://3rbup.com/13088ced4307d5a0 )
0 التعليقات:
إرسال تعليق