لاتغرنكم الحياة الدنيا



ـ[ لاتغرنكم الحياة الدنيا ]ـ 
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله النبي الأمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. 
وبعد 
مما لا شك فيه أن الدنيا مزخرفة ومزينة، وهي بزينتها وزخرفها قد تغر كثيرا من الناس بل بعض أهل العلم وطلبته وأهل الصلاح قد يقعون في شباكها وغرورها. والمعصوم من عصمه الله. ولا عصمة لأحد من البشر بعد النبي صلى الله عليه وسلم. ولما كان الأمر كذلك فإني أوجه كلامي لطائفتين من الناس. وكلنا لا يخرج عن واحدة منهما :
الأولى : الأغنياء الذين وسع الله عليهم في المال. فأقول لهم : إياكم من فتنة المال. فقد حذرنا منها ربنا جل وعلا فقال : " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " إياكم أن تخطفكم الدنيا وتغرقكم في ملذاتها وشهواتها فتهلكوا.
الثانية : الفقراء الذين ضيق عليهم في المال. فلا تحزنوا على هذه الدنيا فوالله الذي لا إله غيره إنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة. واعلموا أن ما أنتم فيه ليس لهوانكم على الله بل لأن الله يحبكم فلم يفتح عليكم زينة الدنيا وزخرفها.
** لقد وردت كثير من الآيات القرآنية تبين قيمة الدنيا وحقيقتها وأنها مجرد زينة ولهو ومتاع. منها :
- قوله تعالى : " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد. ..."
- وقوله تعالى : " إنما هذه الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار "
- وقوله تعالى : " فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور "
- وقوله تعالى : " وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون "
- وقوله تعالى : " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " ونحو ذلك من الآيات.
** وقد وردت كثير من الأحاديث النبوية تحذرنا من الدنيا وفتنتها وزينتها من هذه الأحاديث :
[ ١ ] روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أخوف ما أخاف عليكم من بعدي ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا "
[ ٢ ] روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " فعلا نعيم الدنيا إذا قيس بنعيم الآخرة فتعتبر الدنيا بمثابة سجن للمؤمن. وعذاب الدنيا وشقاؤها بالنسبة لعذاب الآخرة يعتبر نعيما. لذلك كانت الدنيا - حقا - سجنا للمؤمن وجنة للكافر.
[ ٣ ] روى الترمذي وصححه الألباني عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء "
[ ٤ ] روى الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم "
[ ٥ ] روى الترمذي وصححه الألباني عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء " وهذا يبين خطورة الدنيا على العبد وأن الله تعالى إذا أحب العبد حماه من الدنيا إما بعدم بسطها وفتحها على العبد وإما بعدم فتنته بها ونجاته من شرها.
[ ٦ ] روى الإمام أحمد في المسند وغيره وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء "
[ ٧ ] روى الطبراني وابن حبان وصححه الألباني عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك وأقل له من الدنيا، ومن لم يؤمن ولم يشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وأكثر له من الدنيا "
والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى. لكن حال أكثر الناس يدل على أن الدنيا غرتهم وتخطفتهم شعروا أو لم يشعروا، علموا أو لم يعلموا :
- آكل الميراث غرته الدنيا وزخرفت له ظلمه وهو يعلم أن الظلم ظلمات يوم القيامة وأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وأنه من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة. كل ذلك ثابت بالأحاديث الصحيحة.
- آكل حقوق العمال والأجراء غرته الدنيا وأوقعه طمعه وجشعه في ظلم الأجير المسكين وهو يعلم - أولا يعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم سيكون خصمه يوم القيامة.
- مانع الزكاة. غرته الدنيا رغم أنه ما وجبت عليه الزكاة إلا لما ملك الأموال الطائلة. فبخل بجزء يسير من ماله وهو يعلم أن ايتاء الزكاة ركن من أركان الإسلام. وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته إلا مثل يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان فيأخذ بلهزمتيه - أي بشدقيه - ويقول أنا كنزك أنا مالك. ...." وفيهما أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لم يؤد زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم كلما بردت أعيدت كما كانت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يرى سبيله اما الى الجنة أو الى النار "
- آكل الربا. غرته الدنيا وأخذ القروض الربوية أو أقرض بالربا. وهو يعلم أن الربا من أعظم الذنوب وأنه سبب محق البركة وأن الله لم يتوعد المؤمنين بشن الحرب عليهم إلا في أكل الربا. وأن درهم من الربا يأكله المرء وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية في الخطيئة.
- تارك الصلاة. غرته الدنيا ومشاريعه وأمواله عن الصلاة وهو يعلم أن ترك الصلاة أشد ذنب عصي الله به بعد الشرك بالله بل تركها كفر كما في صحيح مسلم وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " وقال : " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة "
- الذي لم يحج وهو مستطيع غرته الدنيا وطول الأمل. وهو يعلم أن الحج من أركان الإسلام. وأن من ملك زادا وراحلة تبلغه بيت الله ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا كما قال أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- المرتشي. الذي ضيع مصالح الناس ولم يقضها إلا بالرشوة. غرته الدنيا وغره المال الكثير الذي يحصله بها وهو يعلم أنه ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
- صاحب آلات الطرب والمعازف. من ديجيه وفرقة موسيقية وطبل ومزمار ورقص. غرته الدنيا وغره شياطين الإنس والجن. وهو يعلم ينشر الفساد بين العباد. وهكذا كل من سولت له نفسه لعمل شر ومعصية وتزيينها للناس غرته الدنيا .
فلنحذر جميعا من الدنيا ومن زخرفها وأن تغرنا وأن تكون شغلنا الشاغل. ولنقبل على الآخرة حتى يكفينا الله هم الدنيا والآخرة فمن جعل الآخرة همه كفاه الله هم الدنيا والآخرة.
وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
فضيلة الشيخ أبي إسلام حازم بن علي خطاب
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الخميس ١٤ شعبان ١٤٣٨هجرية - ١١ مايو ٢٠١٧م
ـ[ http://hazemkttab.blogspot.com.eg/ ]ـ
= == = = = = = = = = = = = = = = = = = =
( التحذير من زهرة الدنيا )
http://mahfoouz.blogspot.com.eg/2016/09/blog-post_72.html)
فضيلة الشيخ / أبي طارق محمود بن محفوظ .
==========================


شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق