سفك دماء المسلمين ليس جهادًا أيها التكفيريون





     سفك دماء المسلمين
في هذه الفتنة ـ التي تحدث في مصر ـ ليس جهادًا ولا استشهادًا
 ]بسم الله الرحمن الرحيم {
إن الحمد لله نحمده  ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
] يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ[ [آل عمران:102].
]  يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً[[النساء:1]
] يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًً[ [ الأحزاب:70،71].
أما بعد
      فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد – e  - وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    منذ أن تعرضت مصر لهذه الفتن بداية من ثورة 25 يناير 2011 إلى يومنا هذا ـ السادس من يونيو 2013  والأوضاع لا تزداد إلا سوءًا ، وانتهى الأمر بالإطاحة بالرئيس محمد مرسي ـ مرشح جماعة الإخوان المسلمين ـ وثارت ثورة الإخوان ، وتوعدوا بالانتقام ، وهددوا بالقتال ـ زعموا أنه جهاد ـ واشتعل فتيل الفتنة أكثر وأكثر ، وبدأ سقوط القتلى بين الطرفين ـ المؤيدين والمعارضين ولا ندري إلى أي شيء يقودون البلاد ؟ وإلى أين تنتهي الفتن .
   ولكي يلهبوا حماسة الشباب ، أغروهم بأن من قتل منهم على أيدي الجيش أو الشرطة أو المعارضين لهم فهو شهيد ، وستفتح له أبواب الجنة ، لأنه يجاهد في سبيل الله ، وهذا محض كذب وافتراء ، وتدليس على هؤلاء الشباب المغرر بهم ، وكذب على الله ، لأن الله سبحانه هو الذي بين أمر الشهادة في القرآن الكريم ، وعلى لسان النبي الأمين ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحدد ضوابط الجهاد وشروطه ، فليس كل من قتل في الفتن يعد مجاهدًا في سبيل الله ، ولا من الشهداء.
   لذا أحببت أن أقف هذه الوقفة ، نصرة للحق ، وتحذيرًا من إشعال نار الفتن أكثر مما هي عليه الآن ، وكشفًا لتلبيس وتدليس هؤلاء الحزبيين التكفيريين ، وإبراء للذمة من كتم العلم الذي اقتضت الضرورة والمصلحة الشرعية بيانه وعدم تأخيره عن وقت الحاجة . وأتناول الحديث عن هذا الموضوع من خلال العناصر الآتية :
أولاً : وماذا بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي ؟!
ثانيًا : الجهاد وضوابطه وشروطه وفضل الشهادة في سبيل الله.
ثالثًا : من قواعد فقه الجهاد .
رابعًا : الواجب على المسلم عند حدوث الفتن .
خامسًا : حرمة دماء المسلمين.
سادسًا : الفرق بين الجهاد والإفساد .
سابعًا : الجهاد فريضة تكتنفها الرحمة والشفقة .
ثامنًا : موقفنا ممن يتولى حكم البلاد .
تاسعًا : فهل أنتم منتهون ؟!
عاشرًا : لسنا مع العلمانيين وأعداء الدين.
   هذا وما كان من توفيق وصواب فمن الله وحده ، فهو المعين والموفق لكل خير ، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان وأنا أبرأ إلى الله منه إن وجد ، والله أسأل أن يجعل هذا العمل صالحًا ولوجهه خالصًا ، كما أسأله سبحانه أن يجنب مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن وسائر بلاد المسلمين ، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه ، إنه ولي ذلك ومولاه .
                              وكتبه الفقير إلى عفو الله
                              حازم بن علي خطاب
                                     غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
                                            13 من رمضان 1434 هـ   22 من يوليو 2013 م









أولاً : وماذا بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي :
   بعد أن وصلت فرقة الإخوان إلى مقعد الحكم ، وتحقق لهم الحلم الذي كانوا يتمنونه من عشرات السنين ، وهذا بقدر الله ـ عز وجل ـ ليمتحنهم ويمتحن الذين أعانوهم على ذلك بحجة أنهم يريدون تطبيق شرع الله ـ زعموا ـ فافتضحوا وبان للناس كذبهم ، وأنهم لا يهمهم إلا مصالحهم وأغراضهم الشخصية ، وأنهم امتطوا الدين وتاجروا به ليصلوا إلى أملهم المنشود ، ولم تتم فرحتهم طويلاً بهذا لأن البلاد لم تستقر ولم تتقدم شيئًا ، وذاقوا من نفس الكأس الذي أذاقوا منه غيرهم ، ألا وهو سبيل الفتن والثورات والمظاهرات ، فانقلب الشعب عليهم وعلى رئيسهم المنتخب ، فتمت الإطاحة به وتم عزله من منصب الرئاسة .
   فقلت حينها : لن يهدأ بال الإخوان ولن يقر لهم قرار ، إلا إذا ألهبوا فتيل الفتن من جديد ليعيدوا رئيسهم ـ الإمام المنتظر !! ـ إلى منصبه مرة ثانية ولو على حساب دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم ، وبالفعل حدث ما توقعته فجيشوا الجيوش ، وألبوا الشباب ، وأحدثوا ثورة جديدة يطالبون من خلالها برجوع الرئيس وإلا فليس إلا الدماء ـ الجهاد في سبيل الله ونيل الشهادة زعموا ـ وها نحن نعاني الويلات من هذه الفتن ، وما زالت الدماء تسيل والأرواح تزهق ، ليس في سبيل الله ، وإنما في سبيل الكرسي الزائل والمنصب الفاني ، وولاء وبراء على شخص الرئيس المعزول ، ويا ليتهم ـ لو كانوا يريدون الآخرة ـ يفعلون مثل ما فعله الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ لما تنازل بالخلافة لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ حقنًا لدماء المسلمين ، واستحق ما قاله عنه جده محمد ـ صلى الله عليه وسلم : " إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين "
   وليس معنى ذلك أننا نشبه الإخوان بالحسن ـ رضي الله عنه ـ ولا الجبهة الأخرى بمعاوية ـ رضي الله عنه ـ وإنما هو ضرب مثال فقط ، ونفس الكلام نوجهه للجهة الأخرى التي ضد الإخوان ، إذا وجدتم أن الأمر لا ينتهي إلا ببحور الدماء والفتن العمياء البكماء الصماء ، فارضخوا لمطالبهم ، وأريحوا البلاد والعباد من هذا الشر المستطير .
ثانيًا:الجهاد في سبيل الله وضوابطه وشروطه  (1)
ـ الجهاد أفضل الأعمال : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور" متفق عليه
ـ غدوة في سبيل الله خير من الدنيا : عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا ومافيها " متفق عليه
ـ  الجهاد جزاؤه الجنة : قال تعالى"   إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِن  الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ  "  وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "  
  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيماناً وتصديقاً برسلي فهو ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه بما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده ما من كلم (أي جرح) يُكْلَم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كُلِمَ، لونه لون الدم وريحه ريح المسك ،والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزوا في سبيل الله أبداً ، ولكن لا أجد سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عنى ، والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل  " رواه مسلم
ـ المجاهدون لا خوف عليهم : قال تعالى: " وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يحزنون "
 ـ المجاهدون لهم الأجر العظيم : قال الله تعالى: " لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا "
ـ المجاهدون أعظم درجة عند الله وهم الفائزون : قال الله تعالى: " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ "
  ـ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : كنت عند منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم ما أبالي أن لا أعمل لله عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج ، وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام ، وقال الآخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة،ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله تعالى: " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ . الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ"
                                                                      رواه الإمام مسلم
   ـ كراهية الجهاد من النفاق
  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق". رواه مسلم
وقال تعالى  : " قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ "  
  معنى الجهاد : الجهاد هو بذل الجهد والوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله تعالى بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك أو المبالغة في ذلك . (قاله الكاساني في بدائع الصنائع 7/ 97 )  

أنواع الجهاد :
   الجهاد يكون بالنفس والمال واللسان . قال النبي صلى الله عليه وسلم: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم ألسنتكم". رواه أبو داوود بإسناد صحيح
ـ ومن الجهاد ، مجاهدة النفس على الطاعة . روى أحمد وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه "
ـ وكلمة الحق عند السلطان الجائر من الجهاد . قال النبي صلي الله عليه وسلم: " أفضل الجهاد كلمة عدل عند ذي سلطان جائر " رواه أبو داوود والترمذي والنسائي  فَلَا تُطِعِ
ـ ومن الجهاد ، جهاد المنافقين بالحجة والبيان . قال تعالى: " وجاهدهم به جهادًا كبيرأ " أي بالقرآن
قال ابن القيم رحمه الله مبينًا مراتب الجهاد :
فجهاد النفس أربع مراتب :
إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين .
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم بلا عمل
إن لم يضرها لم ينفعها .
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه مَن لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه
من عذاب الله .
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق
ويتحمل ذلك كله لله .
وجهاد الشيطان على مرتبتين : دفع الشبهات ، ودفع الشهوات .
وجهاد الكفار والمنافقين أربع مراتب : بالقلب ، واللسان ، والمال ، والنفس
وجهاد المنافقين أخص باللسان ، وجهاد الكفار أخص باليد .
وجهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات ثلاث مراتب :-
الأولى باليد إذا قدر .
الثانية : فإن عجز فباللسان
الثالثة : فإن عجز جاهدهم بقلبه .
زاد المعاد ( 2/ 39 ) بتصرف واختصار .
وتظهر فائدة تعدد أنواع الجهاد ومراتبه وعدم انحصاره في القتال وإن كان القتال هو ذروة سنام الإسلام ، وهو المقصود في إطلاق الآيات والأحاديث في معرفة ما هو أولى بالعمل وما هو مقدم على غيره من هذه الأنواع للجهاد، وما هو الشيء الذي يستحق المجاهدة والتغيير قبل غيره .
  فإن بعض من جهلوا أنواع الجهاد ومراتبه ، اندفعوا إلى أعمال غير مقبولة لا مبرر شرعي أو عقلي لها ، تخلصاً مما يظنون أنه تضييع للجهاد
  قال ابن القيم : " ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعاً على جهاد العبد نفسه في ذات الله " كما قال النبي صلي الله عليه وسلم:" المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " كان جهاد النفس مقدماً على جهاد العدو في الخارج وأصلاً له فإنه ما لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج .(الزاد 2 / 38 )
وليس المقصود من هذا تعطيل الجهاد بمعنى القتال إذا تعين ، والتولي بحجة مجاهدة النفس، بل المقصود بيان حقيقة كونية وسنة شرعية لا يمكن أن يقوم الجهاد إلا بها وقد سار عليها الأنبياء وأصحابهم ، وهي مجاهدة النفس على الطاعة ومراغمتها وحملها على ما يحب الله ويرضى وامتثال أوامره . ولذا بوب البخاري في صحيحه : باب عمل صالح قبل القتال .وقال أبو الدر داء : إنما تقاتلون بأعمالكم .
*
ومما ينبغي التنبه له هو مراعاة حال الأمة ، من حيث الضرورة والأولية ، فجهاد الطلب يختلف عن جهاد الدفع ، فالأول لا بد له من الاستعداد الإيماني والعسكري له ، أما الثاني فإن نفرة المسلمين كل على حسب حاله هي الواجبة إذا وجد الأمير ووضحت الراية ، كما سيأتي معنا
شروط وجوب الجهاد :
  لما كان الجهاد بذل أعظم وأنفس ما عند المؤمنين وهي أنفسهم ، ولما كان فيه ترك الزوجات والذريات وهجر الأوطان والمساكن ولما كان فيه قتل الأنفس وإراقة الدماء كان حرِيّاً بالشارع أن يضع له أعظم الضوابط وأقوى الأحكام حتى لا تراق الدماء في كل واد وسبيل وحتى لا يختلط الحابل بالنابل ولا يدري القاتلُ فيم قَتل ولا المقتولُ فيم قُتِل .
فدماء المسلمين وأرواحهم عند الله شيء عظيم. قال صلى الله عليه و سلم :" لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من قتل رجل مسلم". رواه الترمذي وصححه الألباني رحمه الله .
  وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه و سلم وهو يطوف بالكعبة :" ما أطيبك وما أطيب ريحك ، ما أعظمك وما أعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله منك ماله ودمه ". .
رواه الترمذي وصححه الألباني
ولذا وضع أهل العلم شروطاً وضوابط للجهاد هي :
الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والسلامة من الضرر ووجود النفقة وإذن ولي الأمر
 فلا يجب الجهاد على الكفار من أهل الذمة والمعاهدين .
ولا يجب على الصغار الذين لم يبلغوا الحلم
ولا يجب على العبد المملوك
ولا يجب على النساء
ولا يجب الجهاد على من عدم نفقته.
ولا يجب إذا ترجحت مفسدة القتال على المصلحة المتوخاة منه لأن الشريعة جاءت بجلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها ، فإذا ترتب على الجهاد حدوث مفسدة أكبر من المصلحة المتوقعة حرم الجهاد حينئذ .
  يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات : ( لما ثبت أن الأحكام شرعت لمصالح العباد وكانت الأعمال معتبرة بذلك ، لأنه مقصود الشارع ، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال ، وإن كان الظاهر موافقاً والمصلحة مخالفة فالعمل غير صحيح وغير مشروع ، لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لنفسها، وإنما قُصد بها أمور أخرى هي معانيها وهي المصالح التي شرعت لأجلها ) . ( الموافقات ( 2/ 268 )
  وعلى ذلك إذا لم يحقق الجهاد المصالح المرجوة منه بل حقق مفاسد ، أو رجحت كفة مفاسد القتال على مصالحه : كان القتال ممنوعاً محظوراً .
  يقول ابن تيمية رحمه الله : ( إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات وتزاحمت ، فإنه يجب ترجيح الراجح منهما، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فيُنظر في المعارض له ، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر ، لم يكن مأموراً به ، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته "
 ويقول رحمه الله : ( الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وإنها ترجيح خير الخيرين وشر الشرين ، وتحصيل أعظم المصلحتين وتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما . قال تعالى : " يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ".فتبين أن السيئة تحتمل في معرضين : دفع ما هو أسوأ منها إذا لم يدفع إلا بها . وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم يحصل إلا بها . والحسنة تترك في موضعين : إذا كانت مفوتتة لما هو أحسن منها . أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة .
  ولا يجب الجهاد في حالة ضعف المسلمين ، فلا بد أن يكون فِي المسلمين قوة وإمكانية لِمجاهدة الكفار، أمَّا إن لَم يكن عندهم إمكانية ولا قوة فلا جهاد عليهم، فالرسول صلى الله عليه و سلم وأصحابه كانوا فِي مكة قبل الهجرة، ولَم يُشرع لَهم الجهاد، لضعف حالهم .
ولا يجب الجهاد إلا بإذن ولي الأمر ؛ لأنه هُوَ الَّذِي يأمر به، وينظمه ويتولاه، ويشرف عليه، ولا يجوز لأي أحد كائناً من كان ولا أي جماعة أن تحرض الناس وتدفعهم إلى الجهاد دون إذن ولي الأمر .
قال ابن قدامة في المغنى: (8/352-353) وأمر الجهاد موكول إلى الإمام ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك ، فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره وإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب الشرع .
   َقَالَ الشيخ عُمَر بن مُحَمَّد بن سليم كما فِي الدرر السنية (7/31: ( ولا يَجوز الافتيات عليه –أي عَلَى الإمام- بالغزو وغيره، وعقد الذمة والمعاهدة إلا بإذنه، فإنه لا دين إلا بِجماعة، ولا جَماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، فإن الخروج عن طاعة ولي الأمر من أعظم أسباب الفساد فِي البلاد والعباد.
  سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إنني أحب الجهاد وقد امتزج حبه في قلبي . ولا أستطيع أن أصبر عنه , وقد استأذنت والدتي فلم توافق , ولذا تأثرت كثيرا ولا أستطيع أن أبتعد عن الجهاد . سماحة الشيخ :إن أمنيتي في الحياة هي الجهاد في سبيل الله وأن أقتل في سبيله وأمي لا توافق . دلني جزاك الله خيرا على الطريق المناسب؟
  فأجاب الشيخ رحمه الله :جهادك في أمك جهاد عظيم , الزم أمك وأحسن إليها , إلا إذا أمرك ولى الأمر بالجهاد فبادر , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وإذا استنفرتم فانفروا " رواه البخاري
ومادام ولي الأمر لم يأمرك فأحسن إلى أمك وارحمها.
وسئل الشيخ الفوزان حفظه الله : ما حكم الجهاد في هذا الوقت مع منع ولي الأمر
  فأجاب : "لا جهاد إلا بإذن ولي الأمر؛ لأن هذا من صلاحيته والجهاد بدون إذنه افتيات عليه، فلا بد من رأيه وإذنه، وإلا فكيف تقاتل وأنت لست تَحت رايته، ولا تَحت إمرة ولي أمر المسلمين؟"..
*
ـ الرد على استدلال بعضهم على جواز قتل الكفار دون الرجوع إلى ولي الأمر، بقصة أبي بصير وأبي جندل في صلح الحديبية:
معلوم أن النبي صلى الله عليه و سلم عقد مع قريش صلح الحديبية -وكان مبعوثهم فيه سهيل بن عمرو رضي الله عنه قبل إسلامه-ومن شروط الصلح : لا يأتيك منا رجل-وإن كان على دينك- إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إليَّ فقال النبي صلى الله عليه و سلم:" إنَّا لم نقض الكتاب بعد" قال: فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبدًا. قال النبي صلى الله عليه و سلم:" فأجزه لي" قال: ما أنا بمجيزه لك .قال:" بلى فافعل " قال: ما أنا بفاعل.قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئت مسلمًا ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله...ثم رجع النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا. فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين رآه : " لقد رأى هذا ذُعْرًَا" فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم. قال النبي صلى الله عليه و سلم : " ويل أُمِّهِ مَسْعَرَ حرب لو كان له أحدٌ"  فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر. فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه و سلم تناشده بالله والرحم لَمَّا أَرْسَلَ، فمن أتاه فهو آمن. فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم إليهم فأنزل الله تعالى : " وَهُوَ الّذِي كَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ " -حتى بلغ-" الْحَمِيّةَ حَمِيّةَ الْجَاهِلِيّةِ " وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" وحالوا بينهم وبين البيت " رواه البخاري
  فقالوا: فأبو بصير قد قَتَل من قَتَل أولاً، قَتَل هو ومن معه، ونهبوا الأموال، كل ذلك دون رجوع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلماذا تنكرون علينا الاقتداء بهؤلاء الصحابة؟!
والرد على ذلك: أن أبا بصير ومن لحق به بعد ذلك كانوا غير داخلين في عهده صلى الله عليه و سلم مع قريش، وهذا مُصَرَّحٌ به في القصة، ولذا ردَّ النبي صلى الله عليه و سلم أبا بصير وأبا جندل، لما أصر سهيل بن عمرو على إرجاع أبي جندل، ولما أرسلت قريش في طلب أبي بصير حسب صلح الحديبية، وعلى ذلك فليسوا داخلين في صلح النبي صلى الله عليه و سلم مع قريش، وقد قال الحافظ ابن حجر في فوائد هذه القصة:"ولا يعد ما وقع من أبي بصير غدراً؛ لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي صلى الله عليه و سلم وبين قريش لأنه إذ ذاك كان محبوساً بمكة. وفيه أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية وقد وقع عند ابن إسحاق: أن سهيل بن عمرو لما بلغه قتل العامري- أي الرجل الأول الذي قتله أبو بصير- طالب بديته؛ لأنه من رهطه فقال له أبو سفيان: ليس على محمد مطالبة بذلك؛ لأنه وفى بما عليه وأسلمه لرسولكم ولم يقتله بأمره ولا على آل أبي بصير أيضاً شيء؛ لأنه ليس على دينهم
  وقد سئل العلامة الشيخ صالح الفوزان السؤال التالي: ما رأي فضيلتكم فيمن يستدل على عدم إذن الإمام بالجهاد بقصة أبي بصير؟
الجواب: أبو بصير ما هو في قبضة الإمام، أبو بصير في قبضة الكفار في ولايتهم، فهو يريد أن يخلص نفسه من الكفار وليس هو تحت ولاية الرسول صلى الله عليه و سلم؛ لأن الرسول رده لهم بموجب العهد والصلح الذي جرى، أن من جاء من المسلمين فإنه يسلمه للكفار، فالرسول وفىَّ بهذا العهد وردهم والرسول توكل على الله واعتقد أن الله سيجعل لهم فرجًا فأبو بصير كان تحت سلطة الكفار وهو يريد التخلص منهم وليس هو في بلاد المسلمين أو تحت قبضة ولي الأمر .
متى يكون الجهاد بغير إذن الإمام ؟
  الذي عليه أهل العلم أن الجهاد بغير إذن الإمام لا يكون؛ إلا في حالة أن يُهاجَم المسلمون في عقر دارهم، في هذه الحالة لا يشترط هذا كما نص على ذلك جمع من أهل العلم
  فقد جاء في مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله:"سمعت أبي يقول إذا أذن الإمام القوم يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا. قلت لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام. قال: لا, إلا أن يأذن الإمام, إلا أن يكون يفاجئهم أمرٌ من العدوّ, ولا يمكنهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعًا من المسلمين
   وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :"وأما قتال الدفع فهو أشدّ أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين, فواجب إجماعاً, فالعدوُّ الصائلُ الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه, فلا يشترط له شرط, بل يدفع بحسب الإمكان, وقد نصَّ على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم, فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده .
  وقال العلامة الشيخ صالح الفوزان:"ولا يجوز للمسلمين أن يقاتلوا بدون إذن إلا في حالة واحدة إذا دهمهم عدو يخشون كلبه ( شره وأذاه ) ، فإنهم يدفعونه بالقتال ولا يحتاج إلى إذن الإمام ؛ لأن هذا دفع خطر وقال العلامة الألباني رحمه الله : " الدفاع هذا يجب المبادرة إليه حين يهاجم المرء المسلم في عقر داره سواء كانت المهاجمة متوجهة إلى فرد من أفراده أو إلى نفس جماعة المسلمين، فلا يجوز ترك الكافر يهاجمنا في أرضنا ونحن مكتوفي الأيدي، وإنما علينا المبادرة للدفاع عن البلد بقدر الاستطاعة، فهذا دفاع عن النفس لا بد منه كما يفيده قول رسول الله صلى الله عليه و سلم:"من قتل دون ماله فهو شهيد" ، فإذا سألت أن دولة كافرة تهاجم منطقة إسلامية وهم على غير استعداد لا من حيث الاستعداد النفسي الذي يستلزم فهم الإسلام فهمًا صحيحًا وتطبيقه تطبيقًا صحيحاً ولا الاستعداد المادي المأمور به في القرآن -هذا تفصيل لهذين الاستعدادين- لا يسقط عن المسلم الدفاع حينما يهاجم في عقر داره" .
*
ـ وهنا سؤال: من المراد بقولهم:"الإمام" الذي يقاتل تحت رايته في عصرنا هذا .
  وقد أجاب عن هذا السؤال العلامة ابن عثيمين بقوله : " هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يشترط أن يكون إماماً عاماً للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي صلى الله عليه و سلم قال:"اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي" فإذا تأمر إنسان على جهةٍ ما، صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً، ومن عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه والأمة الإسلامية بدأت تتفرق، فابن الزبير في الحجاز، وبنو مروان في الشام، والمختار بن عبيد وغيره في العراق، فتفرقت الأمة، وما زال أئمة الإسلام يدينون بالولاء والطاعة لمن تأمر على ناحيتهم، وإن لم تكن له الخلافة العامة؛ وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم، فلا بيعة لأحد!! -نسأل الله العافية- ولا أدري أيريد هؤلاء أن تكون الأمور فوضى ليس للناس قائد يقودهم؟! أم يريدون أن يقال: كل إنسان أمير نفسه؟! هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة فإنهم يموتون ميتة جاهلية-والعياذ بالله- لأن عمل المسلمين منذ أزمنة متطاولة على أن من استولى على ناحية من النواحي، وصار له الكلمة العليا فيها، فهو إمام فيها، وقد نص على ذلك العلماء مثل صاحب سبل السلام ( الشرح الممتع (8/9_10(.
وقال -رحمه الله- : ومنذ أزمنة بعيدة من زمن الأئمة والناس متفرقون، كل جهة لها إمام، وكل إمام مسموع له ومطاع بإجماع المسلمين، لم يقل أحد من المسلمين إنه لا يجب الطاعة إلا إذا كان خليفة واحداً لجميع بلاد المسلمين، ولا يمكن أن يقول أحد بذلك؛ لأنه لو قيل بهذا؛ ما بقي للمسلمين الآن إمام، ولا أمير، فالإمام في مكان وفي كل منطقة بحسبها". ( شرح رياض الصالحين ( 4/ 503 )
   وقد حكى الإجماع غير واحد من العلماء على طاعة الحاكم المتغلب؛ وإجماعهم هذا مطلق لا تقييد فيه، قال ابن بطال:"والفقهاء مجمعون على أن الإمام المتغلب طاعته لازمة، ما أقام الجماعات والجهاد،وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء" . ونقله ابن حجر وأقره
  فإن قيل: إن الإجماع المذكور آنفاً معارض بأحاديث، وإجماع آخر، أما الأحاديث فهي: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :"إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" رواه مسلم .
   وحديث عرفجة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:"من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه " رواه مسلم
  وفي رواية:"فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان "
    وحديث عبـد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً:" ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" رواه مسلم .
  وأما الإجماع فهو ما قاله ابن حزم في "مراتب الإجماع":"واتفقوا أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا مُتَّفقان، ولا مفترقان ولا في مكانين، ولا في مكان واحد" .
والجواب: نعم، لا يجوز تفريق الأمة، والواجب عليهم أن يجتمعوا على الحق، وتحت إمام واحد، ولكن البحث فيما إذا وقع التفرق، وعدمت القدرة عن دفع مَنْ تَغلب؛ فهل يُترك الناس بلا إمام يأمرهم وينهاهم؟ وهل يترك الناس للاقتتال وسفك الدماء فيما بينهم؟!! لا أحد يقول: نعم يترك الناس بلا إمام!! أو يتركوا ليسفكوا دمائهم!! لأن هذا القول فيه من الفساد ما لا يخفى، وقائله إن وجد مخالف للمنقول والمعقول، ولا يستحق أن يخاطب بالحجة؛ لأنه إما مكابر، أو جاهل.
فإذا علمنا ذلك؛ فإن الجواب على حديث أبي سعيد رضي الله عنه وغيره، هو أن هذا يكون عند قدرة المسلمين وقوتهم، واجتماع كلمتهم على خليفة ذي شوكة وسلطان، ثم جاء آخر ينازعه؛ فيقتل كائناً من كان؛ لأنه بذلك يريد أن يشق عصا المسلمين، وأمرهم جميع على رجل، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
   قال النووي : " معناه ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله" .
  وقال أيضاً:"فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتله "
   أما إذا كان المسلمون متفرقين، ولكل من الخليفتين شوكة، وستطحن رحى الفتن المسلمين هنا وهناك، فهنا يظهر الإجماع الذي حكاه غير واحد من العلماء على طاعة الحاكم المتغلب.
فلا تعارض إذاً بين الإجماعين، وما دل عليه حديث أبي سعيد رضي الله عنه وغيره؛ لأن من المعلوم أن ما أمر به المسلم من الأحكام منوط بالاستطاعة؛ حتى ما كان من أركان الإسلام، قال تعالى: " وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً " وهذا من الوضوح بمكان فلا يحتاج إلى تفصيل والله أعلم .
جهاد الدفع وجهاد الطلب ثمة حالتين للجهاد :
 إحداهما، جهاد الطلب : وصورته أن يكون الكفار في بلادهم ، فيطلبهم المسلمون لنشر الإسلام وتبليغ دين الله ، فإن أسلموا أو رضوا بالجزية ، وإلا قاتلوهم . وهذا النوع فرض كفاية إذا فعله البعض سقط الحرج عن الباقين ، ومعلوم أن هذا النوع من الجهاد لا يجب على صبي ومجنون وامرأة ومريض وذي عرج بيّن وأقطع وأشل وعبد وعادم أهبة قتال
الثانية ، جهاد الدفع : وصورته أن يدخل الأعداء بلداً من بلاد المسلمين ، فيجب وجوباً عينياً على أهلها الدفع بالممكن ، فإذا لم يقوموا أثم كل من لا عذر له من الأعذار السابق بيانها من الصبيان والنساء والمرضى وغيرهم . ذكره النووي في روضة الطالبين .
فإن عجز أهل البلد عن مدافعة العدو وجب على من جاورهم أن يعينهم بما يمكنهم من ذلك . قال القرطبي في تفسيره (4/2990-2991) : إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر فإذا وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً ، شباناً وشيوخاً ، كل على قدر طاقته من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلها لزمهم أيضاً الخروج إليه حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ولا خلاف في ذلك
ـ أما إذا كان المراد بجهاد الدفع هو الدفاع عن بلدك في حالة هجوم العدو عليه, فالإمام له في القتال الدفاعي حالتان:
الحالة الأولى: إذا صدر نهي الإمام عن القتال الدفاعي، وقد هجم العدو على المسلمين، وكان ذلك النهي من أجل إعداد الخطة للدفاع بقصد أن يكون الدفاع مجدياً ، منظماً منكياً للعدو بشكل أكبر ، وكان لا يترتب على انتظار إذنه أي ضرر ففي هذه الحال تجب طاعة الإمام .
 الحالة الثانية: إذا كان نهي الإمام عن القتال الدفاعي إنما هو لمجرد الخوف من الأعداء سواء الخوف على نفسه، أو الخوف على ملكه، وما شابه ذلك، فهو يتقرب إليهم بهذا المنع من القتال. أو لم يكن الأمر كذلك، وكان الإمام مُخْلِصًا، ولكن يترتب على انتظار إذنه في القتال إلحاق ضرر بالمسلمين ففي كلتا الحالتين حالة الخوف على نفسه وملكه وحالة الضرر من انتظار الإذن يجب على قادة القطاعات المسلحة، وعلى من يقدر على القتال من المسلمين المتطوعين أن يهبوا للدفاع عن المسلمين وعن البلاد، على الفور، وأن يقاتلوا العدو المغير بضراوة؛ لأن القتال في هذه الحال أصبح فرض عين على المسلمين الذين استهدف العدو بلادهم. وفي انتظار إذن الإمام إذا كان مخلصًا إلحاق ضررٍ بالمسلمين كما في طاعته في حال خيانته-فوق ما في هذه الطاعة من إلحاق ضررٍ بالمسلمين- فهي هنا أيضًا تكون من نوع الطاعة في أمر فيه معصية- وكلاهما لا يجوز! إذ " لا ضرر ولا ضرار"، و"لا طاعة في معصية الله؛ إنما الطاعة في المعروف" متفق عليه
   قال عبد الله بن الإمام أحمد:"سمعتُ أبي يقول: إذا أذن الإمامُ, القومُ يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا. قلتُ لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟ قال: لا, إلا أن يأذن الإمام, إلا أن يكون يفجأهم أمرٌ مِن العدو ولا يُمكِنُهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً مِن المسلمين .
وقال الخرقي-رحمه الله- في"مختصره":"وواجب على الناس إذا جاء العدو، أن ينفروا؛ المقل منهم، والمكثر، ولا يخرجوا إلى العدو إلا بإذن الأمير، إلا أن يفجأهم عدو غالب يخافون كلبه، فلا يمكنهم أن يستأذنوه "
  قال ابن قدامة -رحمه الله- شارحًا: "ولأنهم إذا جاء العدو، صار الجهاد عليهم فرض عين, فوجب على الجميع، فلم يَجُز لأحدٍ التخلف عنه، فإذا ثبت هذا، فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير؛ لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه, لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجـأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه، لأن المصلحة تتعين في قتالهم, والخروج إليهم، لتعين الفساد في تركهم، ولذلك لما أغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه و سلم، فصادفهم سلمة بن الأكوع خارجًا من المدينة، تبعهم، فقاتلهم، من غير إذن، فمدحه النبي صلى الله عليه و سلم وقال:"خير رجالتنا سلمة بن الأكوع". وأعطاه سهم فارس وراجل " متفق عليه
  ولا شك أن ولاة أمور المسلمين مفترض فيهم أن يكونوا أحرص على حماية بلاد المسلمين من غزو العدو, وأعرف بتحركاته, وكثرته وقلته, وما عندهم من سلاح، وما عندنا من قوة، فقيام فئة من الرعية بالدفاع وحدها دون الانضمام إلى ولي الأمر وطاعته, والقتال تحت لوائه, يشتت الجهود, ويُضعف القوى،وهذا هو عين ما يريده الأعداء. والصحابة رضي الله عنه دافعوا مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة الخندق (الأحزاب) ولم ينفصلوا عنه, ولم يستبدَّ أحدٌ منهم برأيٍ دون النبي صلى الله عليه و سلم حتى كتب الله لهم النصر.
فعلينا بفهم سلفنا الصالح، فنتبع ولا نبتدع فنسلم. والله الموفق.
ومن المناقشة السابقة يتبين خطأ إطلاق القول: إن جهاد الدفع لا يجب فيه إذن الإمام والله أعلم .
  ولكن الذي يجب أن نعلمه هو: أن الدفاع عن بلد مسلم آخر غير بلدنا, يجب على غيرهم من المسلمين عند القدرة عليه، قال البغوي في حكم هذا الجهاد:"وهو في حق من بَعُدَ عنهم من المسلمين فرض على الكفاية، فإن لم تقع الكفاية بمن نزل بهم يجب على من بَعُدَ منهم من المسلمين عونهم، وإن وقعت الكفاية بالنازلين بهم، فلا فرض على الأبعدين إلا على طريق الاختيار، والاستحباب، ولا يدخل في هذا القسم العبيد والفقراء
   وقال ابن عبد البر: " وإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا قلوا أو كثروا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضًا الخروج لهم فالمسلمون يد على من سواهم حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض على الآخرين "
فالمسلمون عليهم التعاون في دفع العدو، إذا نزل على أحد منهم، فواجب عليهم أن يكونوا يداً واحدةً في ذلك على الكفار.
فنصرة المسلم لأخيه المسلم واجبة إن لم يكن هناك مانع منها, قال ابن المناصف: " فمن ترك دفاع كافر عن مؤمن تثاقلاً من غير عذر يُسقط به عنه القيام، فقد ترك المعاونة على البر والتقوى، وجعل للكافرين سبيلاً على المؤمنين، وقد نفى الله تعالى ذلك أن يكون من الشرع، ففعل ذلك معصية، وتعد لحدود الله تعالى. أخرج أبو داود، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم، يسعي بذمتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على من سواهم" . وذلك مما لا يُعرف فيه خلاف" (الإنجاد في أبواب الجهاد 1/45-46)
ومما سبق يتبين وجوب القتال لدفع العدوان الواقع على بلاد المسلمين، وأن هذا الوجوب فرض عين على أهل البلاد التي احتلت، أو على وشك الاحتلال، فإن لم تحصل بهم الكفاية لرد العدوان وجب القتال على من يليهم، ثم على من وراءهم، هكذا حتى تحصل الكفاية، ويطرد العدو من بلاد المسلمين
فإن الكفار متى اعتدوا على بلد مسلمة ولم يكن لهم عهد عند المسلمين فيجب نصرة هؤلاء المسلمين المعتدى عليهم؛ لأن نصرة المسلم لأخيه المسلم واجبة، فالمسلمون يد على من سواهم .
وقد استنبط من قصة أبي بصير وأبي جندل في صلح الحديبية، وقتالهم المشركين: أنه إذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض ملوك الكفار عهد، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزو الكفار، فليس عهد ولا ميثاق ملك ملزماً للآخر من الملوك، بل كل دولة مستقلة وحدها
  قال الإمام ابن القيم - في ذكر الفوائد الفقهية في قصة الحديبية -:"والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه و سلم وبين المشركين، لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم، وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم، ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى مَلَطْيَةَ (إحدى مدن تركيا اليوم) وسبيهم، مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين
ثالثًا : من قواعد فقه الجهاد :
  [1] مراعاة حال القوة وحال الضعف :
  فليس بخافٍ أن حال الأمة الإسلامية يختلف ما بين ضعف وقوة ، فقد كان حال الأمة عند بعثة النبي صلى الله عليه و سلم كانت ضعيفة ، وكان لهذا الضعف الأحكام الشرعية الخاصة به ، كعدم الجهر في الدعوة ، وكالأمر بكف اليد وعدم القتال ، وتأخر نزول كثير من الأحكام الفقهية           أما في العهد المدني ، وبعد أن صار للمسلمين دولة وشوكة ومنعة ، نزل الأمر بالقتال ومجاهدة المشركين المعتدين ، ونزلت الأحكام الشرعية التفصيلية ، وما ذاك إلا لأن الحال حال قوة ومنعة .
ولذا ، ذهب أهل التحقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم إلى أن الفقه يتنزل بتنزل الأحوال ويختلف باختلاف الأحوال ، وقد أشار ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إعلام الموقعين إلى إن الفتوى تتغير بتغير الأحوال بتغير المكان والزمان والعوائد والأحوال.
فالواجب هو التفريق بين فقه القوة وفقه الضعف ، وإن كان هناك من أهل العلم من يقول إن الأحكام هذه نسختها آية السيف، لكن المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره لا يرون النسخ في ذلك بل يربطون هذا بحال المسلمين، فإذا كان في ضعف نُزلت عليهم أحكام الضعف، إذا كانوا في غربة من السنة نزّلت عليهم أحكام غربة السنة، إذا كان في قوة تنزّل عليهم أحكام القوة، مستدلين بقول النبي صلى الله عليه و سلم :" بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ". وبقوله صلى الله عليه و سلم :" إن الله يبتعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها " رواه أبو داود
  قال ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول فيمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله صلى الله عليه و سلم من الذين أوتوا الكتاب والمشركين
  وقال الشيخ العثيمين رحمه الله عن شرط القوة في الجهاد :لا بد فيه ـ أي الجهاد ـ من شرط : وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال ,فان لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال هو إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة ,ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة , لأنهم عاجزون ضعفاء , فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية , وصار لهم شوكة أمروا بالقتال , وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط , وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات , لان جميع الواجبات يشترط فيها القدرة لقوله تعالى : " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا " وقال : " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها "
 [2] مراعاة فقه الضرورة .
   فإن المعلوم أن للأفراد ضرورة يرونها قد تختلف عن الضرورة التي يراها المجتمع ، وقد يكون للدولة ضرورة أو ضرورات تراها تختلف أن تنسجم إلى حد ما مع ما يراه الأفراد والمجتمع .
فإذا أنزلنا هذه الضرورات المختلفة منزلة واحدة فإننا نكون قد جانبنا الصواب ولم نفقه مقاصد الشريعة.
الضرورة تُقدّر بقدرها ، وكل يقدر الضرورة على حسب حاله ، فالفرد يقدر الضرورة التي يحتاجها ، والمجتمع يقدر ضرورته أيضاً والدولة هي التي تقدر الضرورة التي تراها. فيجب اعتماد هذه القاعدة عند النظر فيما يوجه به ولاة الأمر ، كالإذن بالجهاد أو عدم الإذن ... إلخ .
  [3] لزوم غرز العلماء .
    فإن مما لا شك فيه أن الجهاد من أعظم الأمور الدقيقة التي يرجع لأهل العلم فيها. قال ابن تيمية رحمه الله كما في منهاج السنة ، في معرض كلامه عن الجهاد : فالبحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم
  وقال ابن القيم رحمه الله : العالم بكتاب الله وسنة نبيه وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل فهذا النوع الذي يسوغ لهم الاستفتاء ويسوغ إستفتاؤهم ...وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.
فلابد للناس من مرجع يرجعون إليه قال تعالى : " وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً " ، وقد دلت هذه الآية على وجوب الرجوع إلى الإمام وإلى العلماء فهم أولوا الأمر كما أشار إلى ذلك جملة من المفسرين .
وهذا يعني أن المرجعية في الخوف والأزمات والفتن، كما في حال الأمن، هي إلى ولي الأمر فيما يختص بالأمر العام وحال المسلمين والدفاع عنهم والنظر في ذلك، وإلى أهل العلم الشرعي فيما يتعلق باستنباطهم من النص وما يتعلق بإيضاحهم للشرع.
هذا النظر المرجعي لابد منه لأنه من المقاصد للشريعة -المقاصد الكلية البينة- فالشريعة جاءت لحفظ اجتماع الناس، واجتماع كلمتهم واجتماع سوادهم وعدم تفرق بيضتهم، وهذا من الأمور التي أكدها القرآن مراراً كما في قوله تعالى  : " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا "ْ  . وقوله : "  ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً "  .
[4] فقه الأولويات :
    وهو الذي يسميه بعض العلماء فقه البداءة بالأهم فالمهم.
وكلمة الأَوْلى موجودة في كلام أهل العلم وكلام الأصوليين، كقولهم : وهذا من باب أولى ونحو ذلك
  وفقه الأولويات في غاية الأهمية ؛ لأن من لا يرتب أولوياته لا ينجز ، ويفوَّت الأهم لاشتغاله بالمهم ، فعناية المسلم بهذا الفقه يجب أن تكون كبيرة ، ما الذي يقدم وما الذي يؤخر ؟ وما الذي يهتم به وما الذي لا يهتم به ؟ وما الذي يجب أن يجمع الناس عليه وأن يسيروا فيه ؟ وما الذي يكون فيه الخلاف مقبولا؟ هذا إذا لم يكن بينا عند كل طالب علم وكل فقيه وكل طالب شريعة وكل إمام وكل داعية وكل متحدث فإنه يحصل خلل كبير جدا في الخروج من المآزق والفتن بما يُحدث ما لا تحمد عقباه
   إذًا فقه الأولويات هو فقه مراتب الأعمال ، وهو : وضع كل شيء في مرتبته بالعدل، من الأحكام والقِيَم والأعمال، ثم يُقدِّم الأَوْلى فالأَوْلى، بناءً على معايير شرعية صحيحة
  فلا يقدم غير المهم على المهم، ولا المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح ولا المفضول على الفاضل ، أو الأفضل بل يقدم ما حقه التقديم، ويُؤخِّر ما حقه التأخير، ولا يُكبِّر الصغير، ولا يُهوِّن الخطير، بل يوضع كل شيء في موضعه بالقسطاس المستقيم، بلا طغيان ولا إخسار .
  وفقه الأولويات دلت عليه جملة نصوص ، قال تعالى : " إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ "، وقال تعالى : " أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ " ، وقال جل وعلا " وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ "
وفي السنة النبوية رُوعيت الأولويات، روعي البداءة بالأهم فالمهم.
منها ما جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه و سلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له : " إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك في ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم "... الحديث .
وكذلك قوله صلى الله عليه و سلم :" صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "، وقوله "سبق درهم مائة ألف درهم".
  وقد كان الصحابة رضي الله عنهم حريصين كل الحرص على أن يعرفوا الأَوْلى من الأعمال، ليتقرَّبوا إلى الله تعالى به، ولهذا كثرت أسئلتهم عن أفضل العمل، وعن أحب الأعمال إلى الله تعالى، كما في سؤال ابن مسعود وأبى ذر رضي الله عنهما. ولذا كثر في الأحاديث: أفضل الأعمال كذا، أو أحب الأعمال إلى الله كذا وكذا.
من ذلك ما رواه عمرو بن عَبَسة رضي الله عنه قال: قال رجل:يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال : "أن يسلم لله قلبك، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك؟ قال: فأيّ الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت قال: فأيّ الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة، وقال: وما الهجرة؟ قال أن تهجر السُّوء) قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد، قال: وما الجهاد؟ قال أن تقاتل الكفار إن لقيتهم، قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عُقر جواده وأُهريق دمه "
  لكن المؤسف أن خللاً كبيراً أصاب شرائح من الشباب في معايير أولوياتها، حتى أصبحت تُصغِّر الكبير، وتُكبِّر الصغير، وتُعظِّم الهين، وتُهوِّن الخطير، وتُؤخِّر الأول، وتُقدِّم الأخير، وتهمل الفرض وتحرص على النفل، وتكترث للصغائر، وتستهين بالكبائر، وتعترك من أجل المختلَف فيه، وتصمت عن تضييع المتفَق عليه . كل هذا يجعل الأمة اليوم في أمَسِّ الحاجة - بل في أشد الضرورة - إلى " فقه الأولويات".
*
 علاقة فقه الأولويات بفقه المقاصد:
  ويرتبط فقه الأولويات بـ " فقه مقاصد الشريعة " فمن المتفق عليه، أن أحكام الشريعة في مجموعها معللة، وأن وراء ظواهرها مقاصد هدف الشرع إلى تحقيقها. فان من أسماء الله تعالى" الحكيم " الذي تكرر في القرآن بضعاً وتسعين مرة. والحكيم لا يشرع شيئاً عبثاً ولا اعتباطاً، كما لا يخلق شيئاً باطلاً، سبحانه. حتى التعبديات المحضة في الشرع لها مقاصدها، ولهذا علل القرآن العبادات ذاتها، فالصلاة ( تنهى عن الفحشاء والمنكر ) والزكاة ( تطهرهم وتزكيهم بها ) ، والصيام (لعلكم تتقون ) ، والحج ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله).ومن حُسْن الفقه أن ندرك مقصود الشرع من التكليف، حتى نعمل على تحقيقه، وحتى لا نشدد على أنفسنا وعلى الناس فيما لا يتصل بمقاصد الشرع وأهدافه
  ما تعرف به مصالح الدارين ومفاسدهما:
  أما مصالح الدارين وأسبابها ومفاسدهما فلا تُعرف إلا بالشرع، فإن خفي منها شيء طُلِب من أدلة الشرع، وهي الكتاب والسُنَّة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح، وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيء من ذلك طُلِب من أدلته، ومن أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحهما ومرجوحهما فليعرض ذلك على عقله، بتقدير أن الشرع لم يرد به، ثم يبني عليه الأحكام، فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك، إلا ما تعبَّد الله به عباده، ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته، وبذلك تعرف حسن الأعمال وقبحها.
ـ فضل الشهادة في سبيل الله
الشهادة في سبيل الله درجة عالية ، ومنزلة رفيعة ، ويتضح ذلك من خلال الآتي :
 ـ لا يتّخذ الله سبحانه وتعالى للشهادة إلا من رضيه لتلك المنزلة
 العالية
 ـ أفضل القتل قتل الشهداء الذين يهراق دمهم ويُعقر جوادهم .." (صحيح : أبو داود) ..
 ـ يطهّره الله فـ "يُغفر له في أول دفعة من دمه" ( صحيح : الترمذي )
ـ أحب القطرات إلى الله : قطرات دم الشهيد .. (حسن الترمذي)
ـ إنه شرف تمناه النبي صلى الله عليه وسلم .. (صحيح : مسلم )
ـ لا يجد الشهيد ألم القتل ، إلا كما يجد غيره من مسّ القرصة .. (صحيح :الترمذي)
ـ ويزف إلى الله يوم القيامة وريح دمه المسك ( البخاري ومسلم )
ـ لا يموت الشهيد بل هو حيّ عند ربه يُرزق ، فرح بما آتاه الله من فضله
ـ يرى مقعده من الجنة ولما تقوم القيامة بعد .. (صحيح :الترمذي) ـ يُجار من عذاب القبر (صحيح : الترمذي) كيف لا وقد صبر في ذات الله واحتسب بجهاده
ـ يأمن من فتنة القبر .. (الحاكم في المستدرك : حسن لغيره) وكفي ببارقة السيوف فوق رأسه فتنة ..

ـ يأمن من الفزع الأكبر (صحيح : الترمذي) ، كيف لا وقد أفزعته القنابل في ذات الله ، وأفزع هو بدوره أعداء الله
ـ يأمن من الصَّعقة (الحاكم في المستدرك : صحيح) ، فلا صعقة بعد تلك الصواريخ والمدافع ..

ـ يجري عليه أجر عمله حتى يُبعَث (صحيح : أحمد) ، الله هو الذي اختاره لجواره وهو الذي أوقف عمله وهو الذي يكرمه ..
ـ يُجرى عليه رزقه حتى يُبعث .. (صحيح : مسلم(
ـ يوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها .. (صحيح : الترمذي) ، لقد عاش ملكاً حراً في الدنيا ، ويعيش ملكاً متوّجاً في الآخرة ..
ـ يزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ( صحيح : الترمذي) ، أنعم به من زوج وأكرم ، فو الله إنه لمن دواعي سرور الحور أن يكنّ من نصيب الشهداء
ـ يُشفَّع في سبعين من أقاربه .. (صحيح : الترمذي) ، صبروا على غيابه فنالوا أجر صبرهم عند الذي لا يُضيع أجر من أحسن عملاً ..
ـ  يُحلّى حُلّة الإيمان (أحمد : حسن لغيره)
ـ يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ليُقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة .. (صحيح : البخاري ومسلم) ، ووالله لو رجع لما تخلف عن سرية تغزو في سبيل الله ..

ـ روحه في جوف طير خُضر لها قناديل معلّقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل .. (صحيح : مسلم) ، فليبك من شاء من الأحياء على نفسه ، أما روح الشهيد فقد اشتغلت بجوار عرش الرحمن
ـ الشهداء على بارق نهر بباب الجنة ، في قبة خضراء ، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بُكرة وعشيّة ( أحمد : صححه ابن حبان) ، صابَروا وجاعوا في ذات الله فأكرمهم الله برزق من الجنة ..

ـ الشهداء من أوّل من يدخلون الجنة .. (حسن : الترمذي) ، كيف لا وقد كانوا يتسابقون للقاء الله في الدنيا
ـ الشهداء أُمناء الله في خلقه قتلوا أو ماتوا .. (حسن : أحمد) ، أعجب من أناس يختلفون في قول فلان شهيد وفلان شهيد ، لا يحتاج الشهيد منا الشهادة ، وإنما نحتاج نحن لشهادته يوم القيامة
ـ الملائكة تظلل الشهيد بأجنحتها حتى يُرفع (صحيح : البخاري ومسلم) ، تظلل الناس بظل بيوتهم وكان ظله في الميدان الشمس
والقمر
ـ النبي لم ير قط دارًا في الجنة أفضل من دار الشهداء .. (صحيح : البخاري) ، وكيف يكون دار خير من دار من ترك داره وأهله في الدنيا
 ـ الشهيد يُحبه الله .. (صحيح : الترمذي) ، لأنه أحب لقاء الله
 ـ الشهيد المؤمن الذي جاهد العدو بنفسه وماله حتى قُتل فهو في خيمة تحت عرش الله لا يفضله النبيّون إلا بدرجة النبوة ..
 (صحيح : أحمد )
ـ الشهيد من النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم من الشهيد ، وقد ورد هذا الحديث في جُليْبيب رضي الله عنه .. (صحيح : مسلم) ، جعل الله شهداءنا كلهم إخوان جليبيب وجعلنا منهم
ـ الشهيد لا تأكل الأرض جسده ، وقد ورد هذا في طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ، وفي غيره .. (صحيح : عبد الرزاق في المصنّف) ، كفّي يا أرض وابتعدي عنه فإنما هذا من أحباء الله ورسوله ..
من هو الشهيد ؟
   ـ عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال : سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " ( رواه البخاري في صحيحه )
     إذن الشهيد هو الذي يقاتل الكفار ويجاهدهم لإعلاء كلمة الله ، فهل هؤلاء الثوار والمتظاهرون يقاتلون الكفار أم يقاتلون مسلمين  ؟ هل يقاتلون لإعلاء كلمة الله ؟ أم أنهم يقاتلون في سبيل مرسي  وفي سبيل الكرسي ؟ فكيف يكون قتيلهم شهيدًا ؟!! فأي شهادة هذه ؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم !! إنما هذا قتال فتنة .
    وبعد كل ما سبق مما يتعلق بالجهاد وأنواعه وضوابطه والشهادة يأتي هؤلاء الجاهلون ويلبسون على الناس أن من خرج في هذه الفتن يكون مجاهدًا في سبيل الله ، ومن قتل في هذه الفتن يكون شهيدًا تفتح له أبواب الجنة !!! سبحانك هذا بهتان عظيم ، أيكون القتال بين المسلم والمسلم جهادًا ؟!! أيكون قتل المسلم للمسلم شهادة ؟!! فكفاكم أيها الضالون المضلون تلبيسًا على الناس وكفاكم تغريرًا بالشباب .

رابعًا : الواجب على المسلم عند حدوث الفتن .
   يجب على المسلم أن يتجنب الفتن بصفة عامة وألا يعرض نفسه لها وفتن القتال بصفة خاصة وهذه جملة من الأدلة والأقوال في ذلك :
1­ـ ما أخرجه أبو داود في الفتن و الملاحم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله­ صلى الله عليه و سلّم­: " إنّ بين أيديكمْ فِتنًا كقطع الليل المُظلم يُصبحُ الرّجُلُ فيها مؤمنًا و يُمسي كافرًا، و يُمسي مُؤمنًا، ويُصبح كافرًا القاعدُ فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من السّاعي، قالوا فما تأمُرنا يا رسول الله؟ قال كونوا أحْلاس بيوتكم " .[أبو داود الفتن و الملاحم4262 وابن ماجة الفتن3961]

2­ ـ و عند الإمام مسلم قال رسول الله ­صلى الله عليه و سلّم­  : "  بادروا بالإعمال الصّالحة فِتنًا كقطع الليل المُظلم يُصبحُ الرّجُلُ مؤمنًا و يُمسي كافرًا، و يُمسي مُؤمنًا، ويُصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا»[مسلم الإيمان 118 و الترمذي الفِتن 2195 و أحمد 303\2]

3­ ـ و عند البخاري و مسلم رحمهما الله قال رسول الله ­ صلى الله عليه و سلّم­: " لا ترجعوا بعدي كُفّارًا يضرب بعضُكم رقاب بعض " [البخاري العلم 121 و مسلم الإيمان 65 و النسائي تحريم الدم 4131 و ابن ماجة الفتن 3942 و أحمد 358\4 و الدارمي المناسك 1921].
في هذه النّصوص وغيرها كثير يخبر النّبيّ ­ صلى الله عليه و سلّم­ عن أمور تحدث للأمّة في المستقبل من فتن مظلمة قد تعصف بالكثيرين و تزلزلهم و قد صوّر خطرها بقوله: " فِتنًا كقطع الليل المُظلم " تصوير لهولها و ظلمتها مما يدلّ على عظم خطرها وعظم اللُّبس فيها.
و في قوله : " يُصبحُ الرّجُلُ فيها مؤمنًا و يُمسي كافرًا، و يُمسي مُؤمنًا، ويُصبح كافرًا " كفاية عن تأثيرها على النّاس في دينهم و أنّها تُؤدي ببعضهم إلى التّحول و هذا يحتمل أنّه الكفر الأكبر و العياذ بالله و أنّه قد تسبب له هذه الفتن ردّة عن الإسلام، يكون مؤمنا فيرتدّ و يصير كافرًا و يحتمل أيضًا أنّه ربّما يكون الكفر هنا كفر دون كفر فيشمل الحديث هذا وهذا، فمِن النّاس مَنْ توجب له هذه الفتنة الردّة عن الإسلام باستحلال ما حرّم الله، بالإجابة إلى شيء من مِلل الكفر، و تُوجب لبعض النّاس معصية بالإقدام على ما حرّم الله عزّ و جلّ.
وبيّنَ النبيُّ ­صلّى الله عليه و سلّم­ الواجب على المسلم عند الفِتن بقوله ­صلّى الله عليه و سلّم­: " القاعدُ فيها خير من القائم، و القائم فيها خير من السّاعي"
 فالقاعد في هذه الفِتن خير مِن القائم و القائم خير من الماشي و الماشي خير من السّّاعي فعِندنا ثلاث مراتب: القاعد خير مِن القائم و القائم خير من الماشي و الماشي خير من السّاعي و معنى هذا: أنّ المشاركين في هذه الفِتن على مراتب: منهم المشارك لكنّه يشارك بقدر يسير بمثابة القاعد و آخر أرفع منه قائم و هناك مرتبة أعلى وهي الماشي ثمّ السّاعي، فالقاعد فيها خير من القائم المستعد للسير و القائم خير من الماشي ببطء و الماشي خير من السّاعي وهو الماشي المُسرع والمقصود أنّ كل مَنْ كان أقلَّ أثرًا في هذه الفتنة فهو خير ممن فوقه في المشاركة والتّأثير وهذا حال النّاس في كلّ باطل.
   وعندما سأل الصّحابة النبيّ ­صلّى الله عليه و سلّم­: " فقالوا: ما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم " يعني الزموا بيوتكم. وهذا فيه نوع من التشبيه فالحِلْس: كساء يكون تحت القتب على ظهرالبعير لاصق ما يبرح المكان.
كونوا أحلاس بيوتكم: الزموا بيوتكم واعتزلوا هذه الفتن وأهلها لا تُشاركوا فيها إلاّ مُشاركة في حقّ يعني من حيث الدعوة و الإصلاح بردّ الظالم عن الظلم ومنعه من ذلك وإعادة الحقّ للمظلوم ونُصرته على الظالم مع مُراعاة عدم الإفساد أو التّخريب في البلاد وعدم ترويع العباد والحفاظ على سلامة الأوطان واستقرارها وتحقيق الأمن للعباد والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والالتفاف حول العلماء الربّانيين والدعاة المُخلصين و المرّبين الصالحين مع التّحلّي بالصبر الجميل والتوبة إلى الله عزّ وجلّ لأنّه لا ينزل بلاء إلاّ بذنب ولا يُرفع إلاّ بتوبة، قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الروم 41]
  قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى : " ومن له معرفة بأحوال العالم و مبدئه يعرف أن جميع الفساد في جوِّه و نباته و حيوانه و أحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه و لم تزل أعمال بني آدم و مخالفتُهم للرُّسل تُحْدِثُ لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام والأمراض والأسقام والطواعين والقحوط والجدوب وسلب بركات الأرض وثمارها ونباتها وسلب منافعها أو نقائصها أمورًا متتابعة يتلو بعضُها بعضًا فإن لم يتسع علمك لهذا فاكتف بقوله تعالى:﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم 41]
ونزِّل هذه الآية على أحوال العَالَم وطابق بين الواقع وبينها وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعِلل كلّ وقت في الثمار والزرع والحيوان وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخر متلازمة بعضها آخذ برقاب بعض وكلّما أحدث النَّاسُ ظُلمًا وفجورًا أحدث لهم ربّهم تبارك وتعالى من الآفات والعِلل في أغذيتهم وفواكههم وأهويتهم ومياههم وأبدانهم وخلقهم وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم .
  وقد أشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله في الطاعون: " إنّه بقيَّةُ رجز أوعذاب أرسل على بني إسرائيل " وكذلك سلَّط اللهُ سبحانه وتعالى الرِّيحَ على قومٍ سبع ليالٍ وثمانية أيام ثمّ أبقى في العالم منها بقية في تلك الأيام وفي نظيرها عظة وعبرة وقد جعل اللهُ سبحانه أعمال البَرِّ والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لا بدّ منه فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سببًا لمنع الغيث من السّماء والقحط والجدب وجعل ظُلمَ المساكين والبخس في المكاييل والموازين وتعدي القوي على الضعيف سببًا لجوْر الملوك والولاة الذين لا يرحمون إذا استرحموا ولا يعطفون إذا استعطفوا وهم في الحقيقة أعمال الرعايا في صور ولاتهم، فإنّ الله سبحانه و تعالى بحكمته وعدله يظهر للنّاس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها فتارة بقحط وجدب وتارة بعدو وتارة بولاة جائرين وتارة بأمراض عامّة وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها وتارة بمنع بركات السّماء والأرض عنهم وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزًا لتحقّ عليهم الكلمة وليصير كلّ منهم إلى ما خُلق له والعاقل يسيّر بصيرته بين أقطار العالم فيشاهد وينظر مواقع عدل الله وحكمته وحينئذ يتبين له أنّ الرُّسُل وأتباعَهُم خاصة على سبيل النّجاة وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون وإلى دار البوار صائرون والله بالغ أمره، لا مُعقّب لحكمه و لا رادّ لأمره و بالله التّوفيق. [زاد المعاد 4\362­364]
  هذا و قد أخبر الله تعالى في سورة الرعد فقال: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾[الرعد 11]
  فالنّاس إذا كانوا في نعمة و فضل فجحدوا النِّعم و لم يشكروها و غيّروا غيّرَ الله عليهم بالعقوبات و النّكبات و الشّدائد و القحط و الجدب و التفرق و غير ذلك من أنواع العقوبات جزاءً وفاقًا.
قال تعالى: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [ق 29]
و قد يكونون في شرّ و بلاء و معاصي ثمّ يتوبون إلى الله و يرجعون إليه و يندمون و يستقيمون على الطّاعة فيُغيّرُ الله ما بهم من بُؤس و فرقة و شدّة و فقر إلى رخاء و نعمة و اجتماع كلمة و صلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة و توبتهم إلى الله سبحانه و تعالى فيُغَيِّر ُاللهُ تفرقهم إلى اجتماع ووئام و يُغيّر شدّتهم إلى نعمة وعافية ورخاء ويُغيّر حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال الغيث وإنبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير.

ـ و واجب على أهل العِلم أن يتكلَّموا بالحقِّ ويدعوا إليه وأن ينكروا الباطل و يحذروا منه و يجب أن يكون ذلك عن علمٍ و بصيرة كما قال الله عز و جل: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف 108]
مع الإخلاص والنّية الصالحة وأن لا يخشون في الله لومة لائم بأن ينشروا الحقّ بالأدلة الشرعيّة ويرغّبوا النّاس فيه و يُنفِّرُوهم من الباطل ويحذروهم منه عملاً بقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة 2]
و قوله سبحانه:﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر1-3]
هكذا يكون أهل العِلم أينما كانوا يدعون إلى الله ويرشدون إلى الخير وينصحون لله ولعباده بالرفق فيما يأمرون به وفيما ينهون عنه وفيما يدعُون إليه حتى تنجح دعوتهم ويفوز الجميع بالعاقبة الحميدة والسلامة من كيد الأعداء الذين يتربصون بالأمّة المسلمة.

ـ وعلى المسلم عند الفتن أن يتحلى بالصبر الجميل والثّبات على الحقِّ فإن الثّبات من أسباب النصر والتمكين وانظر إلى هذا الأعرابي الذي يأتي الإمام أحمد رحمه الله أثناء تعرض الإمام لفتنة "خلق القرآن" فيقول له: يا أحمد إن يقتلك الحقُّ متَّ شهيدًا و إن عشت عشت حميدًا فقوِّ قلبك فلم تكن هناك كلمة أقوى منها في قلب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

ـ ويجب على المسلم عند الفتن أن يكثر من طاعة الله عز ّوجلّ و ذكره والاستغفار و المسارعة في الخيرات و العمل على بثِّ الإيمان في قلبه وقلوب الآخرين ولنعلم أن الله تعالى يدافع على الذين آمنوا وأن العاقبة للمتّقين.

ـ و يجب على المسلم أن يستشعر خطورة الفتن و يُعمِل فِكره في التقليل من خطرها والحدِّ من انتشارها من أجل تحقيق الأمن و الأمان و الاستقرار.
ـ ويجب على المسلم عند الفتن الدعوة إلى تجميع الصفوف و وحدة الكلمة لرفع الظلم و تحقيق العدل فالله تعالى يقول: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران103]

ـ ويجب على المسلم عند الفتن أن يحفظ البلاد من خفافيش الليل الذين يعملون على زعزعة الأمن وانتشار الفوضى بالسلب والنهب وترويع الآمنين مستغلين الفتن المنتشرة فعلى كل مسلم أن يعمل على اصطياد تلك الخفافيش والأخذ على أيديها بشدة حفظًا للبلاد و العباد.

ـ كما يجب على المسلم عند الفتن معرفة أسبابها لتلافي الوقوع فيها ومن أهمّها :

1­ ـ البعد عن تحكيم الشرع الربّاني وتحكيم الأهواء وهذا ما ابتليت به الأمّة وما نتج عن ذلك من ظلم أدّى إلى التّجويع و التّضييق وسفك الدماء وانتهاك الحرمات.

2­ ـ وكثرة المعاصي والذنوب من فجور وتبرّج وسفور و وسائل إعلام تدعو إلى الرّذيلة وتحذّر من الفضيلة فتنشر الغناء والرقص والمسلسلات والأفلام الخليعة والعُري والسُّفُور وكل هذا من أسباب الفتن.

3­ ـ ومنها الطمع في الدنيا والركون لها الذي يؤدي إلى الأحقاد و التنافس في الباطل.
فعلى المسلم أن يحذِّر من هذه الأسباب وُينفّر النّاس منها فيُبيّن لهم عاقبة الظلم وأنّه ظلمات وعاقبة المعاصي والمنكرات من كرْبٍ وضيق وفقر وفساد عريض إضافة لعذاب الآخرة والعياذ بالله.
فأسأل الله تعالى أن يُجنّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يفرج كربنا وكرب المكروبين وأن يؤمّن أهل مصر ويرفع عنهم ظلم الظالمين والطغاة المعاندين وأن يحفظها من الأعداء المُتربصين وأن يولّي أمورنا خيارنا وأن يُؤمننا في أوطاننا وسائر بلاد المسلمين .
خامسًا : حرمة دماء المسلمين(1)
  أخي المسلم الكريم : إياك إياك الوقوع في دماء المسلمين فإنَّ مما عُلِمَ من الدين بالضرورة وتواترتْ به الأدلة من الكتاب والسنة حُرمة دم المسلم ؛ فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال ، لا تُرفعُ عنه هذه العصمة إلاّ بإحدى ثلاث ؛ إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يَحلُّ دمُ امرىءٍ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث : كَفَرَ بعدَ إسلام ، أو زَنَى بعد إحصان ، أو قَتَلَ نفس بغير نفس " ( أبو داود 4502 ، الترمذي ( 2158 )
   وما عدا ذلك ، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة ، بل من الدنيا أجمع . وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا " ( النسائي 3448 ) ،  وهذا الحديث وحده يكفي لبيان عظيم حرمة دم المسلم ، ثم تبصّر ماذا سيكون موقفك عند الله يوم القيامة إنْ أنت وقعت في دم حرام ، نسأل الله السلامة
  قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً " [ النساء : 93 ] : يقول الله تعالى : ليس لمؤمنٍ أنْ يقتل أخاه بوجه من الوجوه ، وكما ثبت في الصحيحين ( البخاري 6878  ، مسلم 1676 )عن ابن مسعود : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحلُ دم امرىء مسلم يشهد أنْ لا إله إلا الله وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " ، ثم إذا وقع في شيء من هذه الثلاث فليس لأحد من آحاد الرعية أنْ يقتله ، وإنَّما ذلك إلى الإمام أو نائبه " . وقال ابن كثير في تفسير نفس الآية : ( وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله ، حيث يقول الله سبحانه في سورة [ الفرقان : 68 ] " وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ " الآية ، وقال تعالى : " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً " إلى أنْ قال : " وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " [ الأنعام : 151 ] ، والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً " :
  وعلى المسلم أنْ يقف كثيراً عند قوله تعالى :"  فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ" ( سورة محمد : 22 )
فانظر أخي المسلم إلى عظمة كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، والحصن والأمان الذي تضفيه على صاحبها إلاّ باستثناءات ذُكرتْ آنفاً .

   ومما لا بد من علمه أخي المسلم أن الله عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوبةِ الشرك بالله أشدَّ من عقوبة قتل المؤمن عمداً حيث يقول : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً " [ النساء : 93 ]  فأيُّ خطر هذا ، وأي مهلكة يقدم عليها المرء ويجازف بها ، حياةٌ لا ممات فيها وخلودٌ في مستقر لا تَقَرُّ به عينٌ ولا تُرفعُ به عقيرةٌ فخراً وزهواً ، وغَضَبٌ من الله وعذابٌ عظيم وخزي في الدنيا والآخرة مع مكث ولبث طويلين لا يعلم أمدهما إلاّ الله جل في علاه نسأل الله السلامة لنا ولمن اتعظ واتّبع . ثم تبصّرْ أخي المسلم الكريم الحديث جيداً لتنظر كيف أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قرن بين قتل المؤمن والشرك بالله تعالى ، وجعلهما مشتركين في استبعاد الغفران
   واعلم أخي المسلم أنَّ أول ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء ففي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصلاةُ ، وأولُ ما يُقضَى بينَ الناسِ الدماءُ " ( البخاري 6864 ، مسلم 1678 )  وما ذلك إلا لعظم خطرها يوم القيامة فاستعد للموقف العظيم ، والسؤال الصعب الذي ما بعده إلا جنة أو نار . وكل الذنوب يُرجَى معها العفو والصفح إلاّ الشرك ، ومظالم العباد . ولا رَيبَ أنَّ سَفْكَ دماء المسلمين وهَتْكَ حرماتهم لَمِنْ أعظم المظالم في حق العباد يقول الرسول الأعظم في حديث رواه البخاري في صحيحه (البخاري 6882 ) : " أبغض الناس إلى الله ثلاث : مُلْحِدٌ في الحَرَم ، ومُبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية ، ومطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه " . وعن جندب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " من سَمّعَ سَمّعَ اللهُ به يوم القيامة ، قال : ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة ، فقالوا : أوصنا . فقال : إنَّ أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاعَ أنْ لا يأكل إلاّ طيباً فليفعل ، ومن استطاع أنْ لا يحال بينه وبين الجنة ملء كف منْ دم أهراقه فليفعل " رواه البخاري ( 7152 ).

  وإياك إياك أخي المسلم أنْ تُضيع على نفسك فرصة النجاة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : " لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً " ( البخاري 6862 ) أخي المسلم الكريم ، هل أنت على استعداد أنْ تفوّت على نفسك فرصة النجاة العظيمة من النار ، وقد روى البخاري ومسلم( البخاري 121، مسلم 118 ) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " . ثم اجعل دائماً أخي المسلم نُصْبَ عينيك أنَّ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض ، ولا تحل إلا بإذن الله ورسوله .

  واعلم أخي المسلم : أنَّ ما أوردناه غيض من فيض وقليل من كثير فهو إشارات لكثير من العبارات التي وردت في الكتاب والسنة ، تحث المسلمين على الورع والكف عن دماء إخوانهم ، ولما سبق ذكره كان الصحب الكرام والتابعون لهم بإحسان أشد ما يكونون من الورع والوجل من أنْ يغمس أحدهم يده بمظلمة في حق مسلم ، وكانوا كذلك رحمهم الله ورضي عنهم لشدة ما سمعوا ووعوا من كلام النبوة في التحذير من الانغماس في الفتن والشبهات والتزام النفس والبيت ، وعدم الولوج في حرمات المسلمين حتى بالكلام ، صوناً لهم عن التسبب في مظالم للمسلمين فضلاً عن الخوض فيها .
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : " إنَّ بعدكم فتناً القاعد خير من الساعي ، حتى ذكر الراكب ، فكونوا فيها أحلاس بيوتكم "
وعن جندب رضي الله عنه قال: " ستكون فتن ، فعليكم بالأرض ، وليكن أحدكم حلس بيته ؛ فإنه لا ينبجس لها أحد إلا أردته
وحينما اعتزل سعد بن مالك وعبدُ الله بن عمر رضي الله عنهم الفتنةَ قال علي رضي الله عنه : " للهِ دَرُّ منـزلٍ نَزلَه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر ، واللهِ إنْ كان ذنباً إنه لصغير مغفور ، ولئن كان حسناً إنه لعظيم مشكور

تذكّر أخي المسلم ما في الصحيحين ( البخاري 31 ، مسلم 2888 ) من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، قلت : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ، قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه "
 وفي الصحيحين أيضاً من حديث الأحنف بن قيس قال : ذهبتُ لأنصر هذا الرجل – يعني : علي بن أبي طالب – فلقيني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أنصر هذا الرجل ، قال : ارجع فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار … "  ثم ذكر بقية الحديث . وفي رواية أخرى للبخاري (7083) عن الحسن قال : خرجتُ بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "  إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " ، وفي رواية لمسلم (2888) : " إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم ، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلا جميعاً " وهذا كله إذا كان القتل غير مأذون به شرعاً ، وقد قصّ الله علينا في كتابه العظيم خبر أول حادثة قتل وقعت في تاريخ البشرية حين قتل أحد ابني آدم أخاه قتله ظلماً وبغياً وحسداً فقال تعالى : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ " [ المائدة : 27 ] ومع أن هذا القاتل قد هدّد أخاه بالقتل وأكد ذلك بقوله : ( لأَقْتُلَنَّكَ ) فقد تلطّف معه لعله أنْ يرجع عن عزمه ، وأخبره أيضاً أنه لن يمد يده ليقتله مهما هدده ، بل إنه حتى ولو باشر عملية القتل فسيكف يده أيضاً خوفاً من الله رب العالمين ، فقال له : " لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ " [ المائدة : 28 ] ثم أخذ ينصح أخاه ويعظه لعله يرجع عما هَمَّ به ، ومع كل هذا التلطف والنصح فلم ينفع ذلك أخاه ، ولم يثنه عن عزمه على قتل أخيه . وكذلك الظلم والحقد والبغي والحسد كل ذلك يعمي القلب عن الحق ، ويصم الأذن عن سماع الحق ، فلا يزال القلب مُصِرّاً على المعصية والإثم والموبقة ، والشيطان يدفعه إلى تلك المعصية ، فالشيطان هو العدو الأول للإنسان فيدفعه إلى ذلك دفعاً ، ويهوِّن عليه الأمر حتى إذا وقع فيها تخلى عنه الشيطان وتبرأ منه ، ثم بعد ذلك تَظْلَمُّ عليه الدنيا وتضيق عليه الأرضُ بما رَحُبَتْ ، قال تعالى : " فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [ المائدة : 30 ] ثم بعد ذلك ماذا حصل للقاتل ؟ ندم على ذلك الفعل الشنيع ، ولكن هل ينفع الندم على قتله ؟ لا ينفع الندم ؛ لأنَّ أخاه قد مات ، ولن يرجع إلى الحياة الفانية ، ثم ماذا يصنع هذا القاتل بعد جريمته تحيّر وبقي يحمله مدة طويلة . أولُ قتيل لا يدري ماذا يصنع به هل يحمله ويضعه في الماء أم هل يضعه فوق الجبال ، أشكل عليه الأمرُ ، فالأمر معضلة ومشكلة ، لأنَّه أول حادثة قتل تحدث على الأرض . فأظهر القاتل ندمه على سوء فعلته وصنيعه فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يدفن أخاه حتى أراه الله كيف يدفن الغراب غراباً . وقد بيّن لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه ما من نفس تُقتل ظلماً منذ ذلك التاريخ وحتى آخر يوم من الدنيا إلا كان لهذا القاتل كفلٌ منها ؛ لأنه أول من سن القتل ، وهذا شأن كل مَن سَنّ ضلالة أو دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، وقد بيّن الله سبحانه في كتابه بعد أنْ ذكر قصة ابني آدم أنَّ جريمة القتل عظيمة ، وأنَّ من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً يقول الله تعالى : " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً " [ المائدة : 32 ] وهذا الحكم وإنْ كان ظاهره خاصاً ببني إسرائيل إلا إنه عام فينا وفيهم فقد سأل سليمانُ بنُ علي الحسنَ عن هذه الآية فقال : " قلت للحسن : هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل فقال : والذي لا إله غيره كما كانت لبني إسرائيل وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا ".
   أخي المسلم الكريم قد بيّن الله سبحانه وتعالى حرمة المسلم ومكانته عند الله تعالى فقد صحّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا "  وفي رواية أخرى : " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلمٍ "  
وفي حديث آخر : " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق "    فهذه مكانة المسلم عند الله تعالى فتدبّر أيها القاتل ماذا تصنع بفعلتك ؟
فلزوال الدنيا كلها أهون من قتل رجل مؤمن بغير حق ، زوال الدنيا بأموالها ومزارعها ومصارفها ومصانعها وتجاراتها وبناياتها ودولها وأحلافها ، وكل ما فيها أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق .
أخي المسلم الكريم ، إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد حذّر أمته أشد التحذير من هذه الجريمة فقال : " سباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفر " (البخاري 48 ، مسلم 116) وقال : " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "  وبيّن أنَّ هذه الجريمة من السبع الموبقات المهلكات فقد قال " اجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " (البخاري 2766 ، مسلم 89 )
  وقاتل المسلم مهما فرَّ في هذه الدنيا ، فإنَّه لن يفلت يوم القيامة ، ولن يتركه المقتول يوم القيامة ، فقد صحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول : يا رب هذا قتلني فيقول له : لما قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لك فيقول : فإنها لي ، ويجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول : يا رب ، إنَّ هذا قتلني فيقول الله : لم قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لفلان فيقول الله تعالى : " إنها ليس لفلان فيبوء بإثمه رواه النسائي ( 3460 )
  فاحذر أخي المسلم كل الحذر أنْ تقع في دم حرام فتقتل أحداً من أجل فلان أو مُلْكِ فلان أو إمارة فلان ، فإنهم لن ينفعوك شيئاً عند الله ، ولن يدفعوا عنك شيئاً من عذاب الله .
إذن احذر أخي المسلم أنْ يكون لك أحدٌ بالمرصاد يوم القيامة فإنَّ من تقتله في الدنيا لن يتركك في الآخرة ، بل هو لك بالمرصاد . والله سبحانه وتعالى لما جعل للنفس المسلمة هذه الحصانة الكبيرة ؛ ذلك لأنَّ نفس المسلم لها مكانة وحرمة ، فليس أحد يملكها أو يملك إزهاقها ، بل إنَّ ذلك ممنوع غاية المنع ، ولا يجوز إلا بإذن من الله تبارك وتعالى وإذن رسوله صلى الله عليه وسلم .

  بل حتى نفسك التي بين جنبيك لا تملكها أنت ولا يحل لك إزهاقها ؛ ولهذا جاء الوعيد الشديد فيمن يقتل نفسه متعمداً ؛ ففي الصحيحين (البخاري 5778 ، مسلم 109) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " من تَردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يَتردّى فيها خالداً مُخلَّداً فيها أبداً ، ومن تَحسَّى سُماً فقتل نفسه فَسُمُّه في يده يتحسَّاهُ في نار جهنم خالداً مُخلّداً فيها أبداً ، ومن قتلَ نفسَه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مُخلّداً فيها أبداً " . وفي الصحيحين (البخاري 6047  ، مسلم 176) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال ، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّبَ به يوم القيامة ، ومن لعن مؤمناً فهو كقتله ، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله "

   فهنيئاً لمن خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم مسلم ، وهنيئاً لمن خرج من الدنيا ولم يحمل مسلماً على ظهره يأتي به يوم القيامة ، هنيئاً لمن خرج من الدنيا وقد سلم المسلمون من لسانه ويده ، هنيئاً لمن فارق الدنيا ولم يقترف جريمة يسفك بها دم مسلم .
 
فاحذر أخي المسلم من الوقوع في الفتن ، فالفتنةُ قد تُريكَ الحقَ باطلاً والباطلَ حقاً . وقد تعميك وتصمك وأنت لا تشعر ، وقد أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الفتن ستقع في أمته فقال :
" إذا وضع السيف في أمتي لم يرتفع عنها إلى يوم القيامة " (الترمذي 2202) وأخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه ستأتي فتن في آخر الزمان يكثر فيها القتل وتكثر فيها الفتن حتى أنه من شدة الفتن يمر الرجل على القبر ويتمرّغ عليه ويقول : يا ليتني صاحب هذا القبر ، من شدة ما يرى من الفتن والأمور العظيمة ؛ ففي الصحيحين (البخاري5117 ، مسلم 157) من حديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بالقبر فيقول : يا ليتني مكانه " وقال أيضاً : " والذي نفسي بيده ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يدري القاتلُ في أيِّ شيءٍ قَتَلَ ، ولا يدري المقتولُ على أيِّ شيءٍ قُتِلَ " (مسلم 2908)
   ونبينا صلى الله عليه وسلم حينما يذكر ذلك إنما يذكره ليحذرنا من أن نكون من أولئك أو من أن نشارك في سفك تلك الدماء أو أن نتلطخ فيها ، أو أن نلقى الله بها ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  قال : " يَتقاربُ الزمانُ ويُقبَضُ العلمُ ويُلقَى الشحُّ ويَكثرُ الهرجُ ، فقيل : وما الهرجُ ؟ قال : القتل " (البخاري 6037 ، مسلم 157) وقال أيضاً : " إنَّ بين يدي الساعة لهرجاً  ، قال : قلت : يا رسول الله ما الهرج ؟ قال :  القتل ، فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس بقتل المشركين ، ولكن يقتل بعضكم بعضاً ، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته ، فقال بعض القوم : يا رسول الله ، ومعنا عقولنا ذلك اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، تنـزع عقول أكثر ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم " (ابن ماجه 3959 وهو صحيح )
  فعلى المسلم أن يبتعد عن الفتن كل الابتعاد ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أرشد أمته إذا أدركوا الفتن أو أحسوا بالفتن أنْ يبتعدوا عنها كل الابتعاد ، وأنْ يهربوا منها كل الهرب ؛ لأنَّ الفرار من الفتنة من الدين ؛ لذا بوّب البخاري في صحيحه : باب من الدين الفرار من الفتن
سادسًا : الفرق بين الجهاد والإفساد :
   شُرع الجهاد في سبيل الله"  حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " فإذا أصبح الجهاد نفسه محدثاً للفتنة في الدين ومانعاً من تعبيد الناس لربهم وصداً للناس عن دعوة الحق ؛ صار حراماً لأنه لم يحقق مقصوده     أما أفعال التكفيريين فكلها فساد وإفساد : شوهت صورة الإسلام ، ونفرت الناس من الدين ، وأعطت الذريعة لأعدائنا للتدخل في شؤوننا، وأشغلوا الدولة والعلماء والدعاة بمواجهتهم بدلاً من الالتفات إلى ما هو أهم وأولى . فضلاً عن إزهاق الأرواح البريئة وزعزعة استقرارالناس وترويعهم .
  وثمة من يقول : يجب على المسلمين أن يجاهدوا دون النظر إلى النتائج، وحتى لو كان المسلم بمفرده لوجب عليه الجهاد ، لأنه فريضة لا تسقط عن المسلم بأي حال من الأحوال ، وأن من أراد الجنة فعليه بالجهاد ، وكيف يدخل الجنة من لم يقاتل أو يجاهد في سبيل الله ؟ .
وهؤلاء قد غاب عنهم الهدف الأسمى الذي من أجله شُرع الجهاد ألا وهو إقامة الدين ورفع راية التوحيد " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ " .
   فالقتال فُرض لمنع الفتنة ومحق الشرك أما إذا أدى إلى الفتنة ولم يحقق مقاصده المشروعة فهو ممنوع شرعاً وعقلاً ، فكلُّ فرض فرضه الشارع الحكيم إنما هو لتحقيق المصلحة ودرء المفسدة ، وإذا لم يحقق الفرض ذلك سقط
سابعاً : الجهاد فريضة تكتنفها الرحمة والشفقة
  فلا يجوز قتل النساء والأطفال والشيوخ .عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ". رواه أبو داود
  وقال الصديق رضي الله عنه ليزيد : ( وإني موصيك بعشر لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيراً هرماً ولا تقطعن شجراً مثمراً ولا تخربن عامراً ولا تعقرن شاة ولا بعيراً إلا لمأكلة ولا تحرقن نخلاً ولا تفرقنه ولا تغلل ولا تجبن " 
   أما أفعال التكفيريين فلم تعرف هذه المعاني السامية ، كلنا شاهدنا أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ في التفجيرات المتنقلة هنا وهناك ، فهذا الفكر في حقيقته فكر دموي إجرامي استغل الدين لعمل تخريبي منظم لأغراض مقصودة .
   فهؤلاء المتظاهرون الثائرون قد اصطحبوا نساءهم وأطفالهم ليكونوا دروعًا بشرية يحتمون بها ويختبئون وراءها إذا ووجهوا بالقتال ، فأين أنتم من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ السابق ؟!
  ـ في الجهاد يجب احترام العهود والمواثيق ، وإذا شعر المسلمون أن عدوهم سينقض العهد ، لم يجز لهم أن يقاتلوه قبل أن يعلموه بإنهاء العهد الذي بينهم وبينه ولا يفاجئوه بالقتال دون إعلام ، قال تعالى" وإما تخافن من قوم خيانه فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين "
فالخيانة والغدر ليس من شيم المسلمين ولا من خصالهم بل هو من خصال المنافقين . عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
( رواه البخاري ومسلم )
   قال ابن تيمية رحمه الله: "جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، و النهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك.
والذين يدخلون تحت عهد المسلمين من الكفار ثلاثة أنواع : المستأمن وهو الذي يدخل بلاد المسلمين بأمان منهم لمصلحة يرونها كأداء عمل أو إنجاز مشروع  إلخ ، ثم يرجع إلى بلده بعد إنهاء ما دخل لأجله ، والمعاهد هو الذي يدخل تحت صلح بين المسلمين والكفار وهذا يؤمن حتى ينتهي العهد الذي بين الفئتين ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليه كما لا يجوز له أن يعتدي على أحد من المسلمين ، الصنف الثالث هم من يدفعون الجزية ويدخلون تحت حكمهم . فالإسلام يكفل لهؤلاء الأمن على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ومن اعتدى عليهم فقد لعنه النبي صلى الله عليه و سلم . عن علي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم :" ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل".                  رواه البخاري
    أما أفعال الشرذمة التكفيرية ، فإنهم يغدرون بالآمنين والمستأمنين ، والعجيب أن هؤلاء المعتدين يسمون عملهم جهادا فى سبيل الله وهذا من أعظم الكذب على الله فإن الله جعل هذا فسادا ولم يجعله جهادا ، ولكن لا نعجب حينما نعلم أن سلف هؤلاء هم من الخوارج كفروا الصحابة وقتلوا عثمان وعلياً رضي الله عنه وهما من الخلفاء الراشدين ومن العشرة المبشرين بالجنة قتلوهما وسموا هذا جهادا في سبيل الله.
إذا ،،، الجهاد يتميز بوضوح هدفه، ووضوح وسائله، والتزامه بأحكام الشرع، ومكارم الأخلاق التي جاء بها الإسلام قبل القتال، وأثناء القتال، وبعد القتال. أما أفعال التكفيريين وإفسادهم فينقصه الوضوح في الرؤية ، وتميزه العشوائية في التصرفات والغموض في الأهداف والارتباط بمن يريدون بالبلاد والعباد شراً وفتنة.
  فالجهاد يستخدم القوة في موضعها، وفي أوانها، وبقدر ما توجبه ضرورة الجهاد، ومع الأعداء الذين احتلوا الأرض، وانتهكوا الحرمات والمقدسات ، قال تعالى : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " .
ثامناً : موقفنا ممن يتولى حكم البلاد .
  إن منهج أهل السنة والجماعة واضح غاية الوضوح تجاه ولاة الأمور في بلاد المسلمين ، أنهم لا يخرجون على ولاة الأمور طالما أنهم على الإسلام ، ولم يظهر منهم الكفر البواح ، لذلك فإننا من بداية المظاهرات التي قامت ضد الرئيس مبارك قلنا : لا يجوز الخروج عليه ، لأن الإسلام حرم الخروج على ولاة الأمور وإن كانوا ظلمة ، ويستأثرون بالأموال ، وإن كانوا فسقة ، وبعد أن تولى الرئيس محمد مرسي توقعنا أن الأمر لن يستقر له ، وحذرنا من الخروج عليه ، لأنه أصبح حاكم البلاد ، وبالفعل خرجوا عليه وأطاحوا به ، وبعدها قلنا : لو تمكن رئيس بعده من الحكم ولو بالغلبة والقهر ، فلا يجوز الخروج عليه ، فهذا منهج ثابت عند أهل السنة والجماعة ، وهو ما ندعو الناس إليه إلى الآن ، حتى يكفوا عن الفتن وعن بحور الدماء .
   أما الحزبيون والتكفيريون ، وأرباب الدنيا ، فلا ينصاعون لأوامر الشرع ، وإنما يحرصون على ما يتفق مع مصالحهم ، فلن يعجبهم ذلك وسيخرجون ويثيرون الفتن ، وهذا ما يحدث فعلاً منهم ، فنناشدهم جميعًا أن يتقوا الله في أنفسهم أولاً وفي غيرهم من المسلمين ثانيًا ، اتقوا الله في دمائكم ودماء إخوانكم المسلمين ، اتقوا الله في أعراض المسلمين ، اتقوا الله في أموال المسلمين
تاسعًا : فهل أنتم منتهون ؟!!!
  إنني أهمس في أذن كل عاقل فضلا عن كل مسلم أن يسلم لأمر دينه ولا يستسلم لنزغات الشيطان ، ألا تأخذون العبر والدروس مما مضى ؟! ما الخير الذي جنيتموه من وراء هذه الثورات والمظاهرات ؟!
ـ هل حافظتم على دماء المسلمين أم أريق كثير منها ؟
ـ هل حافظتم على أموال المسلمين أم بددتم كثيرًا منها ؟
ـ هل حافظتم على أعراض المسلمين أم انتهك كثير منها ؟
ـ هل حافظتم على قوة المسلمين في بلادكم أم أضعفتموها ؟
ـ هل امتثلتم أمر ربكم وتحذيره : " إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء " " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " " واتقوا فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة " " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأً " " ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا " ؟
ـ هل عملتم بوصايا نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " " ومن حمل علينا السلاح فليس منا " أم أنكم ترون غيركم من المسلمين في مصر كفارًا لذلك تستبيحون دماءهم ؟ وهذا ما صرح به دعاة التكفير
ـ فهل أنتم منتهون ؟
عاشرًا : لسنا مع العلمانيين وأعداء الدين
   قد يفهم البعض من كلامنا السابق أننا نؤيد الطائفة الأخرى ضد الإخوان المسلمين ، وأننا نريدهم أن يتمكنوا من حكم البلاد ، الحكم الطاغوتي الآخر ، لذلك فإن حجة من يدافعون عن الإخوان أنهم يقولون : أنتم تريدون أن يرجع نظام مبارك ، والمعتقلات ، والتضييق على المتدينين ، وغلق المساجد ، وحلق اللحى . لا والله نحن لا نرضى بذلك ، ولا نحب ذلك ، ونسأل الله أن يولي أمورنا خيارنا ولا يولي أمورنا شرارنا ، ونسأله أن يولي علينا من يقودنا بكتابه وبسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونسأله أن يهلك الظالمين بالظالمين وأن يخرج الموحدين من بينهم سالمين
    وإنما كلامنا موجه للطائفتين ، لأننا في الأساس نحذر من الفتن ، وعدم الخوض فيها ، وعدم المشاركة فيها ، كما مر في صلب الرسالة .
ولذلك من الخطأ الذي وقع فيه بعض إخواننا من الدعاة السلفيين أو من ينتسب للسلفية أنهم يصدرون الفتاوى يجيزون فيها للجيش أن يبيد الإخوان ويقتلهم ، وبعضهم يساند الجهة المقابلة لجماعة الإخوان ومن معها بحجة أن الإخوان ـ الآن ـ خارجون على ولي الأمر ، وهذا ليس هو الموقف الصواب تجاه هذه الفتن ، والمسألة تحتاج إلى دقة نظر فالحاكم المتغلب الذي لا يجوز الخروج عليه هو الحاكم الممكن الذي استتب له الأمر ، وهدأت الفتن والأمور ، والذي يستطيع بما معه من قوة وسيطرة ، إذا جاء آخر ينازعه في سلطانه أن يضرب عنقه كائنًا من كان ، لكن الأمور الآن فوضى ، وليس أحد ممكنًا من الحكم ، وإنما هذه فتنة ينبغي البعد عنها ، وأنا أناشد الجميع من الطائفتين ، أن يتقوا الله في دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم ، ولا ينظر كل طرف إلى مصلحته الشخصية ولو على حساب الأرواح والدماء .
                           صوتي ـ[ https://c.top4top.net/m_757icn901.mp3
--------------------
#للتحميل
مكتوب :-
بصيغة الـPDF:- ـ[ https://up.top4top.net/downloadf-757s7vlv1-pdf.html
بصيغة الوورد ـ[ https://up.top4top.net/downloadf-757ofpd61-doc.html
=======================
فضيلة الشيخ أبي إسلام حازم بن علي خطاب 
 -----------------------------  
                         






(1)  مقتبس من كتاب : الجهاد أنواعه وضوابطه  بتصرف.
(1)  من صيد الفوائد على شبكة الانترنت بتصرف
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق