فتح الملك العلام في الرد على من أنكر عذاب القبر وسؤال الملائكة الكرام



|| فتح الملك العلام في الرد على من أنكر عذاب القبر وسؤال الملائكة الكرام ||
---------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده  ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
  يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً[النساء:1]
 يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًً [ الأحزاب:70،71].
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد –  - وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد .
 مازال أهل الباطل يعادون الحق ، ويخططون ليل نهار في رده وفي إنكاره ، وفي تشكيك الناس فيه ، ولم يقفوا عند هذا الحد بل ذهبوا يسخرون ويستهزئون بمن يتمسك بهذا الحق ويدعوا إليه ، وكل يوم يخرج لنا قرن من هؤلاء يستهزئ بشيء من ثوابت الدين ، ومن ذلك السخرية والاستهزاء بأمر من عقيدة المسلمين ، وثابت من ثوابت الدين ، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة فمن استخف به واستهزأ به وبما ورد بشأنه من أدلة كفر وخرج من ملة الإسلام ـ إن كان مسلما ـ هذا الأمر هو عذاب القبر ، فأحببت أن أقوم بواجبي نحو ديني نصرة له وردًا على إفك هؤلاء الضلال ، حتى لا ينخدع بهم العوام ، ولا يجارونهم على سفاهتهم فيقعوا ـ من حيث لا يشعرون ـ في الكفر بالاستهزاء والسخرية من عذاب القبر . وأشد من ذلك من يحاول عمل مسلسلات او أفلام فيها السخرية من ثوابت الدين ومنه السخرية من عذاب القبر .
 فأقول : إن عذاب القبر ثابت بالأدلة من القرآن والسنة ، وإجماع الأمة والذي ينكر عذاب القبر مكذب لله ورسوله ، خارج عن ملة الإسلام فضلا عمن يسخر منه ويستهزئ به ، فأذكر في هذه السطور القليلة ـ على عجالة ـ الأدلة من القرآن والسنة على عذاب القبر ، وكلام العلماء فيمن ينكر عذاب القبر ، وبعض شبهات منكري عذاب القبر والرد عليها ، وبعض فتاوى العلماء فيمن يسخر من عذاب القبر ، وكذلك فتاواهم فيما يتعلق بتمثيل الملائكة والأنبياء والصحابة . والله أسأل أن يجعل ما سطرته يدي خالصا لوجهه ، مبتغيًا الأجر والمثوبة من الله عليه ، سائلا إياه سبحانه التوفيق والسداد
أولا : أدلة الكتاب والسنة على عذاب القبر ونعيمه :
 قال تعالى: { النار يعرضون عليها غدواً وعشيّاً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب }( غافر: 46 ). والعرض على النار هنا نوع من العذاب وهو حاصل قبل يوم القيامة بلا شك، بدليل قوله تعالى في الآية نفسها { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } فدل ذلك على ثبوت عذاب القبر، وهذا المعنى يؤيده ما رواه البخاري و مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ).
 ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: { فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}( الطور: 45-47) وقد روى الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى: { وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك } يقول: " عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة ".
 وقال تعالى: { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون }( الأنعام: 93)، فقول ملائكة العذاب: "اليوم" يدل على الزمن الحاضر وهو بلا شك قبل يوم القيامة. فدل ذلك على أن الكفار يعذبون قبل البعث والحساب.
هذه بعض الآيات الدالة على عذاب القبر، وأما الأحاديث فهي كثيرة نذكر منها ما ثبت:
 عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة.. فقال: ( من يعرف أصحاب هذه الأَقْبُر ؟ فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء ؟ قال: ماتوا في الإشراك. فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ) رواه مسلم .
 وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، قالت: فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا علي فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم . فقال: صدقتا إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم . قالت: فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر ) رواه مسلم .
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يتعوذ من عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة الدجال ) رواه مسلم .
 وعن ابن عباس رضي الله عنها قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) متفق عليه.
ـ عن أنس - -: أن رسول الله -  - مر على حائط لبني النجار، وهو على بغلة شهباء، فسمع أصوات أقوام يعذبون في قبورهم، فقال رسول الله -  -: لولا أن لا تدافنوا لسألت الله عز وجل أن يسمعكم عذاب القبر(196 )
ـ عن أبي أيوب: أن النبي -  - سمع أصواتاً حين غربت الشمس، فقال: هذه أصوات اليهود تعذب في قبورها(197).
ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله -  - بحائط من حيطان مكة أو المدينة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال رسول الله -  - : يعذبان، وما يعذبان في كبير، ثم قال: كان أحدهما لا يستنزه من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة، فكسرها كسرتين، ووضع على قبر كل منهما كسرة، فقيل : يا رسول الله، لم فعلت هذا ؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا، أو إلى أن ييبسا .( 198 )
قال محمد بن الحسين رحمه الله : ما أسوأ حال من كذب بهذه الأحاديث، لقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً .(*)
ـ عن أبي هريرة - - قال: قال رسول الله -  - : إذا قبر أحدكم - أو الإنسان - أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما : المنكر، وللآخر : النكير، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فهو قائل ما كان يقول، فإن كان مؤمناً قال: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولان : إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين ذراعاً، وينور له فيه، ثم يقال له : نم، فيقول: دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقال له : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله عز وجل من مضجعه ذلك، وإن كان منافقاً قال: لا أدري، كنت أسمع الناس يقولون شيئاً، فكنت أقوله، فيقولان : إنا كنا لنعلم أنك تقول ذلك، ثم يقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه،حتى تختلف فيها أضلاعه، فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله عز وجل من مضجعه ذلك" ( 199 ).
 وفي لفظ: " وأما الكافرأو المنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطراق من حديد بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين " ( 200 ).
ـ عن البراء بن عازب  قال: خرجنا مع رسول الله -  - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر- ولما يلحد - فجلس رسول الله -  - وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به، فرفع رأسه، فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر- ثلاث مرات أو مرتين - ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، حتى يجلسوا منه مد البصر، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، ثم يجيء ملك الموت، فيجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، فيخرج منه كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون فلا يمرون بها بملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : هذا فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى يصعدوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيستقبله من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين في السماء السابعة، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له : ما دينك : فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له : ما علمك ؟ فيقول: قرأت كتاب الله، وآمنت به، وصدقت به، فينادي مناد من السماء : صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من طيبها وروحها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: يا رب، أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي . وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء سود الوجوه، معهم المسوح، يجلسون منه مد البصر، قال: ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله عز وجل وغضب، فتفرق في جسده، قال: فيخرجها تتقطع معها العروق والعصب، كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، فيخرج منها كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون . فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله -  - : " لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " قال: فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتطرح روحه طرحاً، قال: ثم قرأ رسول الله -  - : "ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق" فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، ويقولان له : ما دينك ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، قال: فينادي مناد من السماء : أفرشوا له من النار، وألبسوه من النار وافتحوا له باباً من النار، فيأتيه من حرها وسمومها، قال: ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة( 201 ) .
- عن عثمان  قال: كان النبي - إذا فرغ من دفن الرجل، وقف عليه وقال: " استغفروا لأخيكم وسلوا الله له التثبيت، فإنه الآن يسأل " (1)
- عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : " إذا قبر أحدكم أتاه ملكان أزرقان أسودان يقال لأحدهما منكر والآخر نكير فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟.. فإن كان مؤمنًا قال:هو عبد الله ورسوله .. وإن كان منافقًا قال:لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فكنت أقوله ..فيقولان للأرض:التئمي عليه،فتلتئم عليه،وتختلف عليه أضلاعه فلا يزال معذبًا حتى يبعثه الله عز وجل من مضجعه ذلك " (4)
ثانيًا : شبهات من أنكر عذاب القبر والرد عليها
 مما استدل به المنكرون لعذاب القبر ونعيمه قول الله عز وجل: { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }( الدخان: 56) قالوا: لو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين مرة في حياتهم الدنيا، ومرة في حياتهم البرزخية.
واستشهدوا على إنكارهم أيضا بقوله تعالى: { وما أنت بمسمع من في القبور }(فاطر: 222) قالوا: إن الغرض من سياق الآية تشبيه الكفرة بأهل القبور في عدم السماع، ولو كان الميت حيا في قبره أو حاسا لم يستقم التشبيه.
 هذا من جهة النقل، أما من جهة العقل فقالوا: إنا نرى الشخص يصلب ويبقى مصلوبا إلى أن تذهب أجزاؤه، ولا نشاهد فيه أيّاً من علامات الحياة فلا نراه يعذب ولانراه ينعم.
ونرى الرجل يحرق بالنار، وتأكله السباع، ولا نرى أثرا لما تقولونه من عذاب القبر ونعيمه.
وللإجابة على ذلك نقول أما قوله تعالى:{ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }( الدخان: 566) وقولهم: لو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين مرة في حياتهم الدنيا، ومرة في حياتهم البرزخية.
 فالجواب على ذلك أن الإيمان بحياة الأموات في قبورهم لا يقتضي مساواة حياتهم في البرزح بحياتهم في الدنيا، بل هي حياة خاصة قدرها الله سبحانه لهم، وعليه فلا يلزم ما قاله المنكرون لعذاب القبر ونعيمه من أنه لو كان الأموات منعمين أو معذبين للحقهم الموت مرة ثانية إذ ذلك لا يلزم إلا في حال تساوي الحياتين.
 ومنشأ هذا الخلط عند منكري عذاب القبر هو ظنهم أن الموت هو عدم محض لا يشعر معه صاحبه بشيء وهذا ما ترده النصوص الشرعية من الكتاب والسنة .
 ثم إن الآية جاءت في سياق الامتنان على أهل الجنة بأنهم خالدون فيها لا يذوقون الموت سوى ما ذاقوه أول مرة في حياتهم الأولى، فليس في الآية حديث عن عذاب القبر ولا نعيمه ولا تعلق للآية به، فالاستدلال بها إقحام لها في غير سياقها ومساقها .
أما استشهادهم بقوله تعالى:{ وما أنت بمسمع من في القبور }( فاطر: 222) فالجواب عنه بأن الآية وردت في سياق تشبيه حال الكفار من حيث عدم انتفاعهم بسماع المواعظ والآيات بحال أهل القبور الذين لا ينتفعون بشيء مما يلقى عليهم، فالآية تنفي سماع الانتفاع لا مطلق السماع بدليل أن الكفار وهم المرادون في الآية بالأموات يسمعون الآيات بلا شك ولكنهم لا ينتفعون بها .
 هذا ما يتعلق برد استدلالهم بالمنقول على إنكار عذاب القبر ونعيمه، أما استدلالهم بالمعقول وبالحس فالرد عليه من وجوه:
 الوجه الأول: أن الله قد حجب عنا معرفة ما يحصل للميت شفقة بنا لئلا نترك دفن موتانا، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ) رواه مسلم
 الوجه الثاني: أن عدم رؤيتنا لما يحصل للميت من عذاب أو نعيم لا يعني عدم وجوده فقدرة الله ليس لها حدود، فهو قادر سبحانه على أن يعذب أو ينعم من مات محروقا، أو مات مأكولا، فالله لا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير.
 الوجه الثالث: أننا نرى اليوم من طرق التعذيب أنواعا مختلفة لا تترك آثارا في الجسد كالتعذيب الكهربائي مثلا أو التعذيب النفسي، وهي أنواع من التعذيب ربما تكون أقسى من تلك التي تترك ندوبا في الجسد وآثارا.
 الوجه الرابع: أن من أصول الإيمان عندنا الإيمان بالغيب، وعذاب القبر منه، وإنكار عذاب القبر ونعيمه بدعوى عدم مشاهدته أو الإحساس به، هو فتح لباب جحود الغيب على مصراعيه، فالملائكة تطوف حولنا وتكتب حسناتنا وسيئاتنا ولا نراها ومع ذلك نؤمن بها، وكذلك الجن، فهل يعد عدم رؤيتنا لذلك مبررا لإنكار تلك الغيبيات .
 وبهذا يظهر أن من أنكر عذاب القبر ونعيمه ليس معه من العلم سوى الأوهام، وأن دلائل الكتاب والسنة قائمة على إثباته وتحقيقه، والله أعلم .
‏ ( منقول من الشبكة على الإنترنت )
ثالثًا : أقوال العلماء قيمن أنكر عذاب القبر :
 قال ابن القيم : أحاديث عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير كثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
 وقال ابن القيم عن حديث البراء : هذا حديث ثابت مشهور مستفيض صححه جماعة من الحفاظ ، ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث طعن فيه ، بل رووه في كتبهم وتلقوه بالقبول وجعلوه أصلا من أصول الدين في عذاب القبر ونعيمه، ومساءلة منكر ونكير وقبض الأرواح وصعودها إلى بين يدي الله ثم رجوعها إلى القبر .
وقال ابن كثير : وأحاديث عذاب القبر كثيرة جدا . اهـ
 وقال ابن أبي العز : وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم في كيفيته إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عَهد له به في هذه الدار ، والشرع لا يأتي بما تحيلة العقول ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول . اهـ .
 وسُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة : ما حكم من ينكر عذاب القبر بحجة أنها (أي الأحاديث الواردة في عذاب القبر) هي أحاديث آحاد والحديث الآحاد لا يؤخذ به مطلقا .
فأجابت اللجنة :
 إذا ثبت حديث الآحاد عن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حجة فيما دل عليه اعتقادا وعملا بإجماع أهل السنة ، ومن أنكر الاحتجاج بأحاديث الآحاد بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر . اهـ .
 فمن أنكر عذاب القبر ، فقد كفر باليوم الآخر ، ومن كفر باليوم الآخر فقد كفر بالله ؛ لأن الإيمان بالله لا يقوم إلاّ على الأركان الستة : الإيمان بالله وملائكته وكُتُبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرِّه .
 ومن أنكر ذلك نتيجة شُبهة فتُقام عليه الحجة ، وتُذكر له النصوص الواردة في الكتاب والسنة في عذاب القبر ونعيمه .
(منقول من المشكاة)
 سئل ابن باز رحمه الله : يوجد أناس لا يصدقون بعذاب القبر وذلك لأنه لم يذكر في القرآن الكريم، فوجهونا جزاكم الله خيراً؟
 الجواب: عذاب القبر حق وقد تواترت به النصوص عن النبي ﷺ، وأجمع عليه المسلمون، ودل عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا هذا معناه في البرزخ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] فقوله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46] هذا في البرزخ نسأل الله العافية.
فالمقصود أن من أنكر عذاب القبر يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً نسأل الله العافية، نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم
رابعًا : حكم تمثيل الأنبياء والصحابة :
 س: ما حكم تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصحابة والتابعين رضي الله عنهم؟ وعن تمثيل الأنبياء وأتباعهم من جانب والكفار من جانب آخر؟
 ج: أولا: إن المشاهد في التمثيليات التي تقام والمعهود فيها طابع اللهو وزخرفة القول والتصنع في الحركات ونحو ذلك مما يلفت النظر ويستميل نفوس الحاضرين ويستولي على مشاعرهم ولو أدى ذلك إلى لي في كلام من يمثله، أو تحريف له أو زيادة فيه، وهذا مما لا يليق في نفسه فضلا عن أنه يقع تمثيلا من شخص أو جماعة للأنبياء وصحابتهم وأتباعهم فيما يصدر عنهم من أقوال في الدعوة والبلاغ، وما يقومون به من عبادة وجهاد أداء للواجب ونصرة للإسلام. ثانيا: إن الذين يشتغلون بالتمثيل يغلب عليهم عدم تحري الصدق وعدم التحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، وفيهم جرأة على المجازفة وعدم مبالاة بالانزلاق إلى ما لا يليق ما دام في ذلك تحقيق لغرضه من استهواء الناس وكسب للمادة ومظهر نجاح في نظر السواد الأعظم من المتفرجين، فإذا قاموا بتمثيل الصحابة ونحوهم أفضى ذلك إلى السخرية والاستهزاء بهم والنيل من كرامتهم والحط من قدرهم وقضى على مالهم من هيبة ووقار في نفوس المسلمين.
 ثالثا: إذا قدر أن التمثيلية لجانبين، جانب الكافرين كفرعون أبي جهل ومن على شاكلتهما، وجانب المؤمنين كموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وأتباعهم - فإن من يمثل الكافرين سيقوم مقامهم ويتكلم بألسنتهم فينطق بكلمات الكفر ويوجه السباب والشتائم للأنبياء ويرميهم بالكذب والسحر والجنون.. إلخ، ويسفه أحلام الأنبياء وأتباعهم ويبهتهم بكل ما تسوله له نفسه من الشر والبهتان مما جرى من فرعون وأبي جهل وأضرابهما مع الأنبياء وأتباعهم لا على وجه الحكاية عنهم، بل على وجه النطق بما نطقوا به من الكفر والضلال هذا إذا لم يزيدوا من عند أنفسهم ما يكسب الموقف بشاعة ويزيده نكرا وبهتانا وإلا كانت جريمة التمثيل أشد وبلاؤها أعظم وذلك مما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من الكفر وفساد المجتمع ونقيصة الأنبياء والصالحين. رابعا: دعوى أن هذا العرض التمثيلي لما جرى بين المسلمين والكافرين طريق من طرق البلاغ الناجح والدعوة المؤثرة والاعتبار بالتاريخ - دعوى يردها الواقع، وعلى تقدير صحتها فشرها يطغى على خيرها. ومفسدتها تربو على مصلحتها وما كان كذلك يجب منعه والقضاء على التفكير فيه. خامسا: وسائل البلاغ والدعوة إلى الإسلام ونشره بين الناس كثيرة، وقد رسمها الأنبياء لأممهم وآتت ثمارها يانعة؛ نصرة للإسلام، وعزة للمسلمين، وقد أثبت ذلك واقع التاريخ فلنسلك ذلك الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ولنكتف بذلك عما هو إلى اللعب وإشباع الرغبة والهوى أقرب منه إلى الجد وعلو الهمة، ولله الأمر كله من قبل ومن بعد وهو أحكم الحاكمين. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو : عبد الله بن قعود
عضو : عبد الله بن غديان
نائب رئيس اللجنة : عبد الرزاق عفيفي
الرئيس:عبد العزيز بن عبد الله بن باز3--269

________________________________________
السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 2442 )
س 3: ما حكم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم على مسارح المدارس؟
ج 3: سبق أن نظر مجلس هيئة كبار العلماء في ذلك وأصدر قرارا فيه، وفيما يلي نص مضمونه:
11 - إن الله سبحانه أثنى على الصحابة وبين منزلتهم العالية، ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله عليهم به، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها.
22 - أن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعا للسخرية والاستهزاء به، ويتولاه أناس غالبا ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة، والأخلاق السامية، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة، كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعا مزريا، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم، والجدل والمناقشة في أصحاب
 محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتضمن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله، ويجري على لسانه سب بلال وسب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من الإسلام، ولا شك أن هذا منكر، كما يتخذ هدفا لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .
33 - ما يقال من وجود مصلحة، وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، مع التحري للحقيقة، وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه ؛ رغبة في العبرة والاتعاظ - فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع المسلمين ورواد التمثيل، وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم.
44 - من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة. فرعاية للمصلحة وسدا للذريعة، وحفاظا على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يجب منع ذلك.
 وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
 26-264
________________________________________
فتوى رقم ( 2044 ) :
س: هل يجوز تمثيل الصحابة لأننا نقدم تمثيليات وقد أوقفنا إحداها رغبة في معرفة الحكم.
 ج: تمثيل الصحابة أو أحد منهم ممنوع؛ لما فيه من الامتهان لهم والاستخفاف بهم وتعريضهم للنيل منهم، وإن ظن فيه مصلحة فما يؤدي إليه من المفاسد أرجح، وما كانت مفسدته أرجح فهو ممنوع، وقد صدر قرار من مجلس هيئة كبار العلماء في منع ذلك.
 وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
 1-712
________________________________________
استنكار إخراج فيلم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد : فقد اطلعت على ما نشرته مجلة المجتمع الكويتية في عددها 162 الصادر بتاريخ 9 \ 77 \ 1393 هـ تحت عنوان (فيلم محمد رسول الله) وقد تضمن الخبر المذكور أنه خلال الأيام الماضية تم التوقيع على عقد تأسيس الشركة العربية للإنتاج السينمائي العالمي, وتولى التوقيع ممثلو حكومات ليبيا والكويت والمغرب والبحرين , وأن الشركة المذكورة تعاقدت مع المخرج مصطفى عقاد لإنتاج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حياته وتعاليمه (بالسينما سكوب) والألوان, يستمر عرضه ثلاث ساعات ويخرج بعشرين لغة عالمية بما فيها العربية.
 وذلك بالاستناد إلى قصة أقرها الأزهر والمجلس الشيعي الأعلى واشترك في صياغتها توفيق الحكيم وعبد الحميد جودة السحار وعبد الرحمن الشرقاوي , انتهى الخبر المذكور, ولكون ذلك فيما نعتقد أمرا منكرا, وحدثا خطيرا يترتب عليه مفاسد كبرى, وأضرار عظيمة واستهانة بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وتعريض لذاته الشريفة إلى التلاعب بها والاستهزاء والتنقص- رأيت المساهمة في إنكار هذا المنكر, والإهابة بالدول الأربع الموافقة على إخراجه بالرجوع عن ذلك تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم , واحتراما له, واحترازا عن تعريض ذاته الشريفة للتنقص والاستهانة والسخرية .
 ومعلوم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل وقد عرض هذا الموضوع على المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة فقرر: تحريم إخراج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم , وتحريم تمثيل الصحابة رضي الله
عنهم, وذلك في المادة السادسة من قراره المتخذ في دورته الثالثة عشرة المنعقدة خلال المدة من  1 شعبان 1391 إلى 13 شعبان 1391 هـ, وهذا نص المادة المذكورة: (1- يقرر المجلس التأسيسي بالإجماع تحريم إخراج فيلم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيه من تمثيله صلى الله عليه وسلم بآلة التصوير الكاميرا مشيرة إليه وإلى موضعه وحركاته وسائر شئونه بالتحديد, وتمثيل بعض الصحابة رضي الله عنهم في مواقف عديدة ومشاهد مختلفة وهو محرم بالإجماع.
22 - يوصي المجلس الأمانة العامة للرابطة بإبلاغ هذا القرار لجميع الدول الإسلامية, والمنظمات الإسلامية, والجمعيات الدينية في البلاد العربية والإسلامية ووزارات الإعلام, ومشيخة الأزهر , ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر , والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة , والصحف, والإذاعات في البلاد الإسلامية كافة.
33 - يوصي المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي, بإخطار مخرج هذا الفيلم بهذا القرار جوابا على طلبه الأخير بإخراج الفيلم وإنذاره بأن الأمانة العامة للرابطة ستتخذ الإجراءات القانونية ضد كل من يحاول الاعتداء على قدسية وحرمة صاحب الرسالة العظمى صلى الله عليه وسلم , وحرمة أصحابه الأكرمين في أية جهة من العالم.
44 - يوصي المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بوضع رسالة في حرمة إخراج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين تضم ما أجرته الأمانة العامة للرابطة بشأنه في جميع مراحله, وما صدر فيه من قرارات في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي والمنظمات الإسلامية الأخرى, وما صدر بشأنه من القرارات والفتاوى في البلاد الإسلامية عامة, ونشر ذلك في البلاد الإسلامية تبصرة وتنويرا وإرشادا وتحذيرا.
55 - يشكر المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي على ما قامت به من جهود موفقة في هذا الموضوع الخطير). انتهى,
 كما قررت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منع تمثيل الصحابة رضي الله عنهم: والنبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى وذلك بقرارها رقم 13 وتاريخ 16 \ 4 \ 1393 هـ الآتي نصه:
 ( الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هيئة كبار العلماء في دورتها الثالثة المنعقدة فيما بين 1 \ 4 \ 1393 و 17 \ 44 \ 1393 هـ قد اطلعت على خطاب المقام السامي رقم 44 \ 93 وتاريخ 1 \ 1 \ 1393 هـ الموجه إلى الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد والذي جاء فيه ما نصه:
 نبعث إليكم مع الرسالة الواردة إلينا من طلال بن الشيخ محمود البني المكي مدير عام شركة لونا فيلم من بيروت بشأن اعتزام الشركة عمل فيلم سينمائي يصور حياة ( بلال ) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم نرغب إليكم بعد الاطلاع عليها عرض الموضوع على كبار العلماء لإبداء رأيهم فيه وإخبارنا بالنتيجة, وبعد اطلاع الهيئة على خطاب المقام السامي, وما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ذلك وتداول الرأي قررت ما يلي:
11 - إن الله سبحانه أثنى على الصحابة, وبين منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة, وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله عليهم به, وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها.
22 - إن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعا للسخرية والاستهزاء, ويتولاه أناس غالبا ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة والأخلاق
 الإسلامية مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي, وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعا مزريا فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم , وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين, وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , ويتضمن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله ويجري على لسانه سب بلال وسب الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به الإسلام ولا شك أن هذا منكر, كما يتخذ هدفا لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .
33 - ما يقال من وجود مصلحة وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب مع التحري للحقيقة وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ فهذا مجرد فرض وتقدير, فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم.
44 - من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم, وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه فمفسدته راجحة, فرعاية للمصلحة وسدا للذريعة وحفاظا على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم منع ذلك وقد لفت نظر الهيئة ما قاله طلال من أن محمدا صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين هم أرفع من أن يظهروا صورة أو صوتا في هذا الفيلم, لفت نظرهم إلى أن جرأة أرباب المسارح على تصوير بلال وأمثاله من الصحابة إنما كان لضعف مكانتهم ونزول درجتهم في الأفضلية عن الخلفاء الأربعة, فليس لهم من الحصانة والوجاهة ما يمنع من تمثيلهم وتعريضهم للسخرية والاستهزاء في نظرهم فهذا غير صحيح. لأن لكل صحابي فضلا
 يخصه وهم مشتركون جميعا في فضل الصحبة وإن كانوا متفاوتين في منازلهم عند الله جل وعلا, هذا القدر المشترك بينهم وهو فضل الصحبة يمنع من الاستهانة بهم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ). انتهى.
 ولكل ما تقدم وما سوف يفضي إليه الإقدام على هذا الأمر من الاستهانة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضي الله عنهم وتعريض سيرته وأعماله وسيرة أصحابه وأعمالهم للتلاعب والامتهان من قبل الممثلين وتجار السينما يتصرفون فيها كيف شاءوا, ويبرزونها على الصفة التي تلائمهم بغية التكسب والاتجار من وراء ذلك, ولما في هذا العمل الخطير من تعريض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم للاستهانة والسخرية, وجرح مشاعر المسلمين, فإني أكرر استنكاري بشدة لإخراج الفيلم المذكور.
 وأطلب من جميع المسلمين في كافة الأقطار استنكارهم لذلك, كما أرجو من جميع الحكومات والمسئولين بذل جهودهم لوقف إخراجه. وفي إبراز سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضي الله عنهم بالطرق التي درج عليها المسلمون من عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ما يكفي ويشفي ويغني عن إخراج هذا الفيلم.
 وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين جميعا وحكوماتهم لكل ما فيه صلاح المسلمين في العاجل والآجل, ولكل ما فيه تعظيم نبيهم صلى الله عليه وسلم التعظيم الشرعي اللائق به وبأصحابه الكرام, والحذر من كل ما يفضي إلى التنقص لهم أو السخرية منهم أو يعرضهم لذلك, إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .
مجموع فتاوى ابن باز 1--413
________________________________________
قال العلامة بكر أبوزيد رحمه الله في كتابه التمثيل:
شبهة المجيزين والجواب عنها
لا أعلم قائلاً بجواز ( التمثيل ) مطلقاً ، ومن أجازه حفه بشروط وضوابط ، وفي هذه الحال فللمجيز جوازاً مقيداً بشروط : شبَه أفضت به إلى القول بالجواز بشروطه .
يمكن تصنيفها على ما يلي :
11- التمثيل ترفيه بريئ ، ولهو مُباح .
2- التمثيل هادف إلى : بث الوعي ، ومعالجة القضايا الأخلاقية ، والمشاكل الإجتماعية ، ، فهو : وسيلة تربوية .
3- التمثيل وسيلة إظهار لعظمة الإسلام ، ومجد عظمائه .
4- التمثيل من باب ضرب الأمثال بالمحسوسات وتقرير الحقائق ، والدلالة عليها . وفي القرآن والسنة من هذا شيئ كثير ، والله تعالى يقول : } وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{ الحشر/21 . قالوا : فهكذا التمثيل ، لإيضاح وتجسيد للغاية التي يُـقام من أجلها ، فحسنه حسن ، وقبيحه قبيح بحسب غايته .
5- قياسه على تمثيل جبريل - عليه السلام - لمريم في صورة بشر ، وكذا في مواضع أخر ، ولنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
6- مادرج عليه جماعة من المؤلفين مثل الحريري في مقاماته ، وابن المقفع في كليلة ودمنة .
7- مزاولته لدى بعض المتقديم باسم ( خيال الظل ) .
والجواب عنها على ما يلي :
( 1) أما أن التمثيل ترفيه بريئ ولهو مباح ، فهذا لا يمكن قبوله ، لما رأيت في توجيه التحريم لذاته وموضوعه ، وآثاره ، فأنـّى له البراءة ، فضلاً عن الإباحة .
( 2) أما أنه وسيلة دينية لإظهار مجد الإسلام ، فإن ما يُؤدي إلى خدمة الدين مطلوب ، بشرط عدم الإحداث والإبتداع }وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً{ مريم / 64 ، والدعوة إلى الله توقيفية في وسيلتها ، وغايتها ، والوسيلة لا تبررها الغاية ، وهذه وسيلة تعبدية محدثة ، فسبيلها الرد ابتداء .
 إضافة إلى ما يُحيط بها في موضوعها ونتائجها مما تقدم لك بيانه ، ينتج من هذا أنها وسيلة محدثة فهي رد ، والله أعلم .
( 3 ) وأما أنها وسيلة تربوية وهادفة .. فهذا مقدوح بما تقدم لك من علة التشـبه ، وما يمازجها من محاذير شرعية ، وكما أن قاعدة الشريعة منع التشبه ، فقاعدة الشريعة أيضاً دفع المفاسد وتقليلها ، وجلب المصالح وتكثيرها ، وقد علمت ما ينطوي عليه التمثيل هنا من مضامين يرفضها الشرع ، فسبيل هذه الوسيلة المنع ، والله أعلم .
( 4 ) وأما قياسه على ضرب الأمثال في الكتاب والسنة ، فهذا قياس مقدوح فيه بقيام الفارق بين المقيس والمقيس عليه ، إذ الأمثال قولية ، أما ( التمثيليات ) فهي فعليه تمارس بالذوات ، فكيف يُقاس هذا ، على هذا مع عدم تطابقهما ، فثبت فساد القياس ...
 ثم إن ضرب الأمثال في القرآن الكريم قد تنوعت ، فضرب المثل بالأعمى والأصم ، وبالعنكبوت ، ورؤوس الشياطين ، والكلب ، والحمار ، والأنعام ، والعبد المملوك ، وهكذا .
 فهل يقول المستدل على جواز التمثيل بضرب الأمثال ، بجواز تمثيل المسلم بدور الشياطين ، والكلاب ، والحمير ، والأنعام .
 وهذا إلزام وارد ، على سبيل التنزل ، وإلا فأصل القياس غير سليم ، والله أعلم .
( 5 ) أما تمثيل جبريل - عليه السلام - في صورة دحية الكلبي وغيره ، فقياس فاسد لما يلي :
 وهو أن القدرة على التشكل من خصائص عالم الغيب عن عالم الشهادة ، فقد جعل الله سبحانه وتعالى للملائكة القدرة على أن يتشكلوا بغير أشكالهم تشكلاً حقيقياً ، كما في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية .
 ففي القرآن ، أرسل الله تعالى جبريل إلى مريم في صورة بشـر }فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً{ مريم / 17 .
وجاءت الملائكة إلى إبراهيم في صورة بشر .
 وجاء جبريل إلى نبينا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في صور وأشكال متعددة ، في صورة دحية الكلبي ، وفي صورة أعرابي ..
ومن إعطاء الله لهم القدرةعلى التشكل ما في قصة : الأقرع ، والأبرص ، والأعمى .
وقد أعطى الله الشياطين والجان القدرة على التشكل بأشكال الإنسان والحيوان .
ومنها : مجيئ الشيطان إلى المشركين يوم بدر في صورة سُراقة بن مالك .
كما تتشكل في صورة كلب .. أو حيات .
والشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم .
 فهذه تشكلات حقيقية أقدر الله عليها عالم الغيب من الملائكة الأبرار ، والشياطين والجن الأشرار ، واختصهم بها لعلة الإمتحان والإبتلاء والإختبار في بعضها . ولعلل وأحكام لا يعلمها إلا من قدرها . ولم تكن هذه التشكيلات الحقيقية لآدمي قط ، فهي قاصرة على محلها في ( عالم الغيب ) .
 بناءاً على هذا ، فقياس ( عالم الشهادة ) على ( عالم الغيب ) في ذلك قياس فاسد ، لأنه قياس تشكل جزئي وهمي كاذب ، على تشكل كلي حقيقي صادق . ولأن العلة الجامعة قاصرة على محلها في عالم الغيب ، وتوفرها في طرفي القياس ركن في صحته ، وفقدانها هنا ظاهر ، فضلاً عن شرط تساويهما في الفرع والأصل ، لو وجدت ، فهي مفقودة أصلاً في النوع المقيس .
ولو اشتركا في العلة فشرطها أن تكون بوصف ظاهر ، وليست في عالم الغيب كذلك .
 فنخلص من هذا أنه قياس فاسد لاختلال ركنه وشرطه ، والله أعلم .
5 – أما ما درج عليه بعض الأدباء في تأليف غريب اللغة بمقامات على لسان شخصيات وهمية متخيلة مثل ( مقامات الحريري ) وغيرها ، فهذا أيضاً من القياس الباطل ، الفاقد لشروطه ، المختل ركنه . إذ أنه مقدوح فيه ، وذلك بالفرقان بين المقيس والمقيس عليه . حيث أن الحريري في سياقته لمقاماته ، لم يتقمص شخصية معيّـنه ولا وهمية ، بخلاف التمثيل .
 ثم هذا من باب القول لا من باب الفعل ، ثم هو من باب المحاورة والتعليم لا من باب التمثيل والتشبيه ، كالشأن فيما هو أبعد من ذلك ، كحديث تعليم جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - الإسلام والإيمان والإحسان . وهكذا .
ثم أرونا أثراً واحداً مرفوضاً شرعاً يترتب على هذا .
وأما كليلة ودمنة ، فهو ليس من تأليف ابن المقفع المتوفي سنة 1455هـ ، وإنما هو من ترجمته ، وحسبك أنه ابن المقفع الذي ليس له رواية في الإسلام مع تقادم عهده في صدر عصر الرواية .
وعلى كل حال فهذه الكتب :
 مقامات الحريري ، وألف ليلة وليلة ، وسيرة عنترة ، جميعها من باب ضرب الأمثال ، لا من باب التمثيل . وقد ألمح إلى ذلك ابن حجر الهيثمي في " فتاويه " ونقله عنه الكتاني في " التراتيب الإدارية " ( 2 / 226 – 227 ) .
6 - وأما ما تقدم في تاريخ التمثيل من وجود لعب وحكايات في هذا كانت معروفة باسم ( خيال الظل ) ، فهذه وإن وُجدت في عصور متأخرة ، فهي منقطعة الإتصال بصدر هذه الأمة . ثم وجودها في طبقة الصعاليك والمترفـين ، وهؤلاء ليسوا بحجة على الدين .
 ثم وجد من أنكرها من العلماء ، فاستجاب له الأمراء . والله أعلم .
خامسًا : مفاسد تمثيل الأنبياء والصحابة
:أولاً : من أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية : المجلد الثالث:إصدار : سنة  1421 هـ>2001 م>حكم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم مفاسد تمثيل الأنبياء ومفاسد تمثيل الأنبياء كثيرة نكتفي منها بهذه الأمثلة:
11 ـ تشكيك المؤمنين في عقائدهم، وتبديد ما وقر في نفوسهم من تمجيد هذه المثل العليا، إذ أنهم قبل رؤية هذه المشاهد يؤمنون حقا بعظمة الأنبياء ورسالتهم، ويتمثلونهم حقا في أكمل مراتب الإنسانية وأرفع ذراها - إذا هم بعد العرض قد هانت في نفوسهم تلك الشخصيات الكريمة، وهبطت من أعلى درجاتها إلى منازل العامة والأخلاط، وقد تقمصهم الممثلون في صور وأشكال مصطنعة مما يتقلص معه ظل الدين والأخلاق.
22 - إثارة الجدل والمناقشة والنقد والتعليق حول هذه الشخصيات الكريمة وممثليها من أهل الفن والمسرح تارة، ومن النظارة تارة أخرى، وها نحن أولا نرى صفحات للفن والمسرح ومجادلات في التعليق والنقد، وأنبياء الله ورسله مثل كلام الله عز وجل، فوق النقد والتعليق.
33 - التهاب المشاعر، وتحزب الطوائف، ونشوب الخصام والقتال بين أهل الأديان كما وقع بين المسلم واليهودي في العصر النبوي، وما أحوجنا إلى الأمن والاستقرار وإطفاء الفتن وتسكينها لا إثارتها وإشعالها.
44 - الكذب على الله ورسله؛ لأن التمثيل أو التخييل ليسا إلا ترجمة للأحوال والأقوال والحركات والسكنات، ومهما يكن فيهما من دقة وإتقان فلا مناص من زيادة أو نقصان، وذلك يجر طوعا أو كرها إلى الكذب والضلال، والكذب على الأنبياء كذب على الله تعالى، وهو كفر وبهتان مبين، والعياذ بالله. هذه أمثلة من مفاسد تمثيل الأنبياء.. فماذا تفيد الإنسانية من هذا التمثيل إلا الضلال والنكال، وإذا كان الله جلت قدرته قد أعجز الشياطين عن أن يتشبهوا بالأنبياء توقيرا وإعظاما لهم عليهم الصلاة والسلام، كما يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ، سنن الترمذي الرؤيا (2276) ، سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3900) ، مسند أحمد بن حنبل (1/400) ، سنن الدارمي الرؤيا (2139). وسبق أن قلنا: إن الأنبياء إخوة يمس كل واحد منهم ما يمس أخاه، نقول: إذا كان الله سبحانه قد حال بين الشياطين وبين التمثيل بالأنبياء مع أنه أعطاهم القدرة على التشكل كما يهوون، فكيف يستبيح الإنسان لنفسه أن يكون أخبث من الشيطان بتمثيل الأنبياء؟ ! ثم ماذا يكون الشأن إذا اجترأ إنسان على التمثل بالنبي محمد أو غيره واهتاج الناس وأثار شعورهم استياء من الجرأة على قداسة النبوة وخاصة في نفوس النظارة المتدينين ؟ ! إن حقا محتوما علينا أن نجل الأنبياء، وأن نجل آل الأنبياء وأصحاب الأنبياء عن التمثيل والتشخيص، واحتراما وإجلالا للأنبياء أنفسهم؛ لأن حرمتهم مستمدة من حرمة الأنبياء، كما أن حرمة الأنبياء مستمدة من حرمة الله عز وجل، وهذا بعض حقهم على الإنسانية جزاء ما صنعوا لها من جميل، وأدوا إليها من إحسان. وجملة القول: أن أنبياء الله تعالى ورسله معصومون بعصمة الله لهم من النقائص الخلقية والخلقية، وأن تمثيلهم تنقيص لهم، أو ذريعة إلى التنقيص لا محالة، وكلاهما مفسدة أو مؤد إلى المفسدة التي من شعبها إثارة العصبيات والفتن التي لا يعلم مداها إلا الله تعالى. وإن في الأدب والتاريخ وتصوير الفضائل ومكارم الأخلاق لميدانا فسيحا للفن والتمثيل، فليتجه إليها الفن ما شاء له الاتجاه، وليبتكر ما شاء له الابتكار، وليدع أنبياء الله ورسله محفوفين - كما حفهم الله تعالى - بالجلال والوقار، وليعمل على أن يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر، فطوبى لمن كان كذلك، والويل ثم الويل لمن يثير غضب الله وسخطه وانتقامه وغيرته لأنبيائه. في قصص الأنبياء كفاية {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة يوسف:الآية 111] وأن العبرة لا تزال ماثلة في مواطنها، واضحة في معالمها، ينتفع بها في القرآن الكريم، وصادق الأخبار، ولو شئنا لأطلنا، ولكن في هذا بلاغا. النتيجة من أجل ما قدمنا تقرر في إثبات واطمئنان أنه لا ينبغي ولا يحل بحال أن يشخص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في المسرح، ولا على شاشة السينما. والله نسأل أن يجمع قلوبنا على محبته، وتوقير أنبيائه ورسله، وأن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. والسلام عليكم ورحمة الله ثانياً : كما صدرت فتوى من لجنة الفتوى بالأزهر نشر في (مجلة الأزهر) في عددها الصادر بتاريخ محرم سنة 1379هـ عن حكم تمثيل الشخصيات الإسلامية، جاء فيها : وبما أن السابقين من الصحابة رضي الله عنهم لهم مقام كريم، وشأن خاص بين جماعة المسلمين، وبما أن تمثيلهم على المسارح أو الشاشة قد ينحرف بهم إلى ما يمس بشخصياتهم أو عن تاريخهم الحق؛ لما يتعرضون له أحيانا من أكاذيب القصاصين، أو أهواء المتعصبين لبعض ضد البعض الآخر من جراء الفتن والخلافات التي قامت حولهم في أزمانهم، وانقسام الناس في تبعيتهم إلى طوائف وأشياع، بسبب الدسائس بينهم - فإن اللجنة إزاء هذه الاعتبارات تفتي بما يأتي: أولا: عدم جواز من يمثل كبار الصحابة؛ كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين ومعاوية وأبنائهم رضي الله عنهم جميعا؛ لقداستهم، ولما لهم من المواقف التي نشأت حولها الخلافات وانقسام الناس إلى طوائف مؤيدين ومعارضين . . أما من لم ينقسم الناس في شأنهم؛ كبلال وأنس وأمثالهما - فيجوز ظهور من يمثل شخصياتهم بشرط أن يكون الممثل غير متلبس بما يمس شخصية من يمثله. ثانيا: عدم جواز ظهور من يمثل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته؛ لأن حرمتهم من حرمته عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى في شأن نسائه: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [سورة الأحزاب:الآية 32] وبناته بذلك أولى. ثالثا: من لم تثبت صحبته من الرجال المسلمين، وكذلك التابعين وأتباعهم - لا مانع من ظهور من يمثل شخصياتهم متى روعي في التمثيل ما من شأنه ألا يخل بكرامة المسلم. وأما النساء المسلمات فيجب الاحتياط في تمثيلهن أكثر مما يحتاط في تمثيل الرجال المسلمين الذين لم نثبت صحبتهم، وعلى المرأة التي تقوم بالتمثيل ألا يوجد مع تمثيلها اختلاط بأجنبي عنها من الرجال، ولا يصحبه كشف ما يحرم كشفه من جسمها، ولا يكون معه تكسر في صوتها، ولا حركات مثيرة للغرائز، ولو مع ستر الجسم، إذا كان الأمر كذلك فلا حرمة في التمثيل، خصوصا إذا كان التمثيل لغرض علمي يعود على الأفراد والأمة بالفائدة. وأما إن صحبه اختلاط بالرجال الأجانب، أو كشف ما لا يحل كشفه من جسمها، أو وجد معه تكسر في صوتها أو حركات مثيرة للغرائز بجسمها ولو مع ستره، أو كان لباسها يحدد مفاتن جسمها - فإن التمثيل حينئذ يكون محرما على من تقوم بهذا التمثيل. قرار لجنة الفتوى بالأزهر كما صدرت فتوى مستفيضة من اللجنة المختصة بالفتوى في (مجلة الأزهر) في عددها الصادر في رجب عام 1374هـ في حكم تمثيل الأنبياء قد يكون في مبررات القول بمنع تمثيلهم ما يصلح مبررا للقول بمنع تمثيل الصحابة، وهذا نص المقصود منه: التمثيل في المسرح : تشخيص الأفراد الذين تتألف منهم القصة أو الرواية التي يراد عرضها على النظارة - تشخيصا يحكيها طبق أصلها الواقع أو المتخيل، أو هو بعبارة موجزة: ترجمة حية للقصة وأصحابها. وقد تلتقط صورة للممثلين في المسرح على شريط خاص يسمونه (الفيلم) ليعرض على النظارة في شاشة السينما. هل يمكن تمثيل الأنبياء؟ لندع القصص المكذوبة على أنبياء الله جانبا، ولنفترض أن التمثيل لا يتناول إلا القصص الحق الذي قدمنا شذرات منه عاجلة، ثم نتساءل: 1 - كيف يمثل آدم أبو البشر وزوجه وهما يأكلان من الشجرة؟ وما هي هذه الشجرة؟ أهي شجرة الحنطة؟ أم هي شجرة التين؟ أم هي النخلة؟ . . . وعلى أي حال نمثلهما وقد طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة؟ وهل نمثل الله تعالى وقد ناداهما: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [سورة الأعراف:الآية 22 ]؟ ! أو نترك تمثيله تعالى وهو ركن في الرواية ركين ؟ ! سبحانك سبحانك، نعوذ بك من سخطك ونقمتك ومن هذا الكفر المبين ؟ ؟ ! ! 2 - وكيف يمثل موسى وهو يناجي ربه ؟ وكيف يمثل وقد وكز المصري فقتله؟ بل كيف يمثل وقد أحاط به فرعون والسحرة، ورماه فرعون بأنه مهين، ولا يكاد يبين؟ وكيف تمثل العقدة التي طلب من الله أن يحلها من لسانه ؟ وما مبلغ كفر النظارة والممثلين إذا أفلتت - ولا بد أن تفلت - منهم فلتة مضحكة أو هازئة حينما يتمثلون الرسولين وقد أخذ أحدهما برأس الآخر وجره إليه ؟ وما مبلغ التبديل والتغيير لخلق الله الفطري ليطابق هذا الخلق الصناعي وقد عملت فيه أدوات الأصباغ والعلاج عملها؟ 3 - وكيف يمثل يوسف الصديق وقد همت به امرأة العزيز وهم بها لولا أن رأى برهان ربه؟ وما تفسير الهم في لغة الفن؟ 4 - وكيف يمثل أنبياء الله وأقوامهم يرمونهم بالسحر تارة، وبالكهانة والجنون تارة أخرى؟ بل كيف يمثلون حينما كانوا يرعون الغنم " وما من نبي إلا رعاها " ؟ بل كيف يمثلون وقد آذاهم المشركون ولم يستح بعضهم أن يرمي القذر والنجس على خاتم النبيين وهو في الصلاة والكفار يتضاحكون؟ سيقول السفهاء من النظارة - وما أكثرهم - مقالة المستهزئين الكافرين من قبل: سورة الفرقان الآية 41 أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ؟ وسيغضب فريق لأنبياء الله ورسله فيقاتلون السفهاء، وينتقمون منهم، وتقوم المعارك الدينية لا محالة سورة الشعراء الآية 227 وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ . تمثيل الأنبياء تنقيص لهم لسنا بحاجة بعد هذا إلى بيان أن من قصص الأنبياء ما لا يستطاع تشخيصه، وأن ما يستطاع تشخيصه من قصصهم فهو تنقيص لهم، وزراية بهم، وحط من مقامهم، وانتهاك لحرماتهم وحرمات الله الذي اختارهم لرسالته واصطفاهم لدعوته . . . لا ريب في ذلك كله ولا جدال. . وهذا كله في القصص الحق الذي قصه الله علينا ورسوله، وأما القصص الباطل - وما أكثره - فهو زور على زور، وكفر على كفر، وهو البلاء والطامة . . وما نظن أن أحدا يستطيع أن يجادل في هذه الحقائق الناصعة . . . وأكبر علمنا أن أول من يخضع لها ويؤمن بها هم أهل الفن أنفسهم، فإنهم أرهف حسا، وأشد إدراكا لمقتضيات التمثيل وملابساته. على أنا لو افترضنا محالا، أو سلمنا جدلا بأن تمثيل الأنبياء لا نقيصة فيه ولا مهانة، فلن نستطيع بحال أن نتجاهل أنه ذريعة إلى اقتحام حمى الأنبياء وابتذالهم، وتعريضهم للسخرية والمهانة، فالنتيجة التي لا مناص منها ولا مفر: أن تشخيص الأنبياء تنقيص لهم، أو ذريعة إلى هذا التنقيص لا محالة . سد الذرائع وسد الذرائع ركن من أركان الدين والسياسة، فقد أجمع العلماء أخذا من كتاب الله وبيان رسوله، على أن من أعمال الناس وأقوالهم ما حرمه الله تعالى؛ لأنه يشتمل على المفسدة من غير وساطة؛ كالغصب والقذف والقتل بغير حق، وأن من الأعمال والأقوال ما حرمه الله سبحانه؛ لأنه ذريعة إلى المفسدة، ووسيلة إليها، وإن لم يكن هو في نفسه مشتملا على المفسدة، ومن ذلك مناولة السكين لمن يسفك بها دما معصوما، فالمناولة في نفسها عارية عن المفسدة، ولكنها وسيلة إليها، ومن ذلك سب معبودات المشركين وهم يسمعون، فهو في نفسه جائز، ولكنه منع لجره إلى مفسدة، وهي إطلاق ألسنة المشركين بسب الله تعالى؛ ولهذا نهانا الله سبحانه عن هذا السب فقال: سورة الأنعام الآية 108 وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ .. ومن هذا القبيل تفضيل بعض الأنبياء على بعض، هو نفسه جائز، فقد فضل الله بعضهم على بعض ورفع بعضهم درجات، ولكنه يمنع حينما يجر إلى الفتنة والعصبية، وقد تخاصم مسلم ويهودي في العهد النبوي، ولطم المسلم وجه اليهودي؛ لأنه أقسم بالذي اصطفى موسى على العالمين، وأقسم المسلم بالذي اصطفى محمدا على العالمين، فلما بلغت الخصومة خاتم النبيين صلى الله وسلم عليهم أجمعين - غضب حتى عرف الغضب في وجهه، وقال: لا تخيروني على موسى ، ثم أثنى عليه بما هو أهله، ونهاهم أن يفضلوا بين أنبياء الله تعالى؛ سدا لذريعة الفتن، وحرصا على وقارهم صلوات الله وسلامه عليهم، وإذا كانت الدول تشدد في سد الذرائع وترى ذلك ركنا من أركان السياسة والأمن والنظام والمعاملات الدنيوية، فإنه في العقائد أخلق، وفي مقام النبوة أوجب وأحق . من أبحاث هيئة كبار العلماء ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف. ( المصدر: موقع التبيان الإسلامي )
====================
وكتبه أبو إسلام حازم خطاب
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
16 من شعبان 1440 هـ ..... 22 من أبريل 2019 م
سوهاج ـ مصر
==========================
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق