من عفا .. عفا الله عنه ..! (( مكتوب))



( من عفا .. عفا الله عنه )
الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد.
طالما الحياة مستمرة، والبشر على قيد الحياة، فالشر باق والشيطان ينزغ بالعداوة بين الناس. والخصومة بين الكثيرين متجددة.
ومن حكمة هذا الشرع العظيم أنه جعل للمظلوم والمعتدى عليه أن يعاقب من ظلمه واعتدى عليه بمثل ذلك. ولا يزيد على ذلك. لكن لما لم يكن هناك ضمان أكيد لعدم تجاوز الحد في رد العدوان بمثله. فتح الإسلام بابا آخر هو أعظم من الانتقام للنفس وأخذ الحق من المعتدي. ذلك الباب هو العفو والمسامحة.
وليس أدل على أن الله سبحانه وتعالى يحب العفو ويرضى من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض من أن الله سبحانه وتعالى سمى نفسه العفو. فقال تعالى : " وكان الله عفوا غفور " لذلك كثرت الآيات والأحاديث الدالة على العفو. نذكر جملة منها :
** أولا الآيات القرآنية :
- قال تعالى : " (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [سورة النساء 149]
- قال تعالى : " فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [سورة البقرة 109]
- قال تعالى : " (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
[سورة آل عمران 134]
- قال تعالي : " (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [سورة آل عمران 159]
- قال تعالى : " وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [سورة التغابن 14]
- قال تعالى : " (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)
[سورة اﻷعراف 199]
- قال تعالى : " (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)
[سورة الشورى 43] . والآيات كثيرة في هذا المعنى.
** ثانيا الأحاديث :
[ ١ ] في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالأنصار فقال : " فاقبلوا من محسنهم واعفوا عن مسيئهم "
[ ٢ ] روى أبو داود والترمذي وصححه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة "
[ ٣ ] روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله "
[ ٤ ] روى أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني عنه رضي الله عنه قال : لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : " ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يعفو وإما أن يقتل "
[ ٥ ] روى الإمام أحمد في المسند وصححه العلامة أحمد شاكر عن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم. ..."
[ ٦ ] في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه "
[ ٧ ] روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله عزوجل "
[ ٨ ] في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك، ثم أمر له بعطاء "
** ثالثا : آثار السلف :
- ورد أن أبابكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة فينادي : من كان له عند الله شيء فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس "
- عن معاوية بن سويد قال : لطمت مولى لنا فهربت، ثم جئت قبيل الظهر فصليت خلف أبي، فدعاه ودعاني ثم قال : امتثل منه - أي افعل به مثل ما فعل بك - فعفا عني "
- قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه : " عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال "
- ورد أن عبد الملك بن مروان أتي بأسارى ابن الأشعث فقال لرجاء بن حيوة : ماذا ترى؟ قال : إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو، فعفا عنهم "
- حكي أن راهبا دخل على هشام بن عبدالملك فقال للراهب : أرأيت ذا القرنين أكان نبيا؟ فقال : لا ، ولكنه إنما أعطي ما أعطي بأربع خصال كن فيه : كان إذا قدر عفا وإذا وعد وفى وإذا حدث صدق، ولا يجمع شغل اليوم لغد "
- روي أن زيادا أخذ رجلا من الخوارج، فأفلت منه، فأخذ أخا له فقال له : إن جئت بأخيك وإلا ضربت عنقك، فقال : أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير المؤمنين تخلي سبيلي؟ قال : نعم. قال : فأنا آتيك بكتاب من الله العزيز الحكيم وأقيم عليه شاهدين إبراهيم وموسى، ثم تلا : " أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى " فقال زياد : خلوا سبيله هذا رجل قد لقن حجته "
** من فوائد العفو :
١ - يدل على حسن الخلق
٢ - دليل على كمال الإيمان والإحسان.
٣ - دليل على سعة الصدر وحسن الظن بالآخرين.
٤ - يثمر المحبة بين الناس.
٥ - أمان من الفتن والخصومات والمشاجرات بين الناس
٦ - يهيئ لأفراد المجتمع حياة أفضل بعيدة عن المنغصات والتوتر والقلق.
* فنسأل الله تعالى باسمه العفو أن يجعل الناس يعفو بعضهم عن بعض. وأن يؤلف بين القلوب وأن يصلح ذات البين. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه . والحمد لله رب العالمين.
كتبه // فضيلة الشيخ أبي إسلام حازم بن علي خطاب .
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
الخميس ٢٨ من المحرم ١٤٣٩هجرية - ١٩ أكتوبر ٢٠١٧م
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
ـ[ http://hazemkttab.blogspot.com.eg/ ]ـ
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق